القضاة المالكية ابن تقي يبكي وأظهر التأسف لهذه الواقعة وصار يتفارش ويترب. ثم إن الأمير تمراز أمير سلاح صار يمشي بين الجلبان وبين السلطان في عمل المصلحة، فكثر القال والقيل في ذلك، وضج العسكر، وترددت الوسائط بين السلطان وبين الجلبان. ثم استقر الحال بعد جهد كبير على أن السلطان ينفق على الجلبان لكل واحد منهم خمسون دينارا من ذلك أربعون دينارا معجلة، ويؤخر عشرة ينفقها عليهم بعد مدة شهرين، وأن القرانصة ينفق عليهم خمسة وعشرين دينارا فاستقر الحال على ذلك وسكن الاضطراب قليلا.
ثم إن السلطان أرسل خلف الخليفة المتوكل على الله عبد العزيز وكان ساكنا عند بالحوش فلما حضر جدد له مبايعة ثانية بحضرة القضاة الأربعة. فكانت مدة سلطنته في هذه المرة الأولى إلى يوم خلعه هذا إحدى وعشرين سنة وسبعة أشهر. ثم قام الخليفة ونزل القضاة إلى دورهم، وانفض الموكب وكان يوما مهولا.
ثم إن السلطان أخذ في أسباب تحصيل المال لأجل النفقة واستحث في إحضار ما يجيء من المال بسبب الشهرين اللذين فرضهما على أرباب الأملاك، ثم فرض على المماليك القرانصة وأولاد الناس الذين لم يسافروا في التجريدة: على كل من له جامكية ألفان أربعون دينارا، ومن له ألف جامكية بحكم ذلك، ومن لم يورد شيئا من ذلك تقطع جامكيته ستة أشهر حتى يغلق ما فرض عليه. ثم أنفق على المماليك فيما بعد. ثم إن الأمير تمراز شفع في القرانصة وأولاد الناس إلا يوردوا شيئا مما قرر عليهم، وكان الغالب منهم أورد شيئا فراح عليه والمتأخر لم يحط شيئا بسبب الشفاعة.
وفيه ثار جماعة من العوام على الشيخ شهاب الدين أحمد الشيشي الذي تولى قضاء الحنابلة فيما بعد، وكادوا أن يقتلوه لولا أنه اختفى مدة طويلة حتى سكن الأمر. وسبب ذلك ما نقل عنه أنه قد أفتى السلطان بحل ما يجيء إليه من أجرة الأملاك في الشهرين الماضي خبرهما. فلما بلغ العوام ذلك ثاروا عليه وقصدوا قتله … واستمر مختفيا حتى توجه إلى مكة وجاور بها مدة.
وفيه كانت وفاة الشيخ بدر الدين بن الغرس وهو محمد بن محمد بن محمد بن خليل القاهري الحنفي، وكان عالما فاضلا عارفا بأصول الفقه وله نظم جيد وولي عدة وظائف سنية، وناب في القضاء مدة ثم تولى مشيخة تربة الأشرف برسباي ودام بها حتى مات، وكان من أعيان الحنفية وذكر إلى قضاء الحنفية غير ما مرة. ومن نظمه قوله: