ولما مات رثاه الشيخ عبد الباسط بن خليل الحنفي بقوله:
لقد أظلمت مصر وأقفرت الدنيا … لموت عديم المثل بل أوحد العصر
سأعجب إن ضاءت ليالي عصرنا … وكيف يكون الضوء مع عدم البذر
وفيه كانت الأسعار مرتفعة في سائر البضائع. وسبب ذلك إهمال كسباي المحتسب، فإنه لم ينظر في أحوال المسلمين فوبخه السلطان بالكلام، ثم بطحه وضربه بين يديه نحوا من عشرين عصا. فلما نزل من القلعة أطلق في السوقة النار وكذلك سماسرة القمح، وجرى بسبب ذلك أمور شتى.
وفيه كانت وفاة الحافظ قطب الدين الأخيضري محمد بن محمد بن عبد الله بن خيضر بن سليمان ابن داود بن فلاح بن ضمرة الرملي الشافعي، وكان عالما فاضلا محدثا رئيسا حشما، وكان من أخصاء الأشرف قايتباي، وتولى عدة وظائف سنية: منها كتابة سر دمشق ونظر جيشها وقضاء الشافعية بها وغير ذلك من الوظائف، ومولده بعد الثلاثين والثمانمائة. وفيه بعث السلطان بالقبض على مملوكه أزبك النصراني، وكان قرر في نيابة كركر، فوقع منه غاية الفساد هناك، وآل أمره إلى أن حزت رأسه وعلقت على باب كركر وكان من أشرار الناس.
وفيه من الحوادث: أنه أشيع بين الناس بأن فرس البحر قد ظهرت عند شبرا وصارت تتراءى للناس مدة، ثم اختفت وتحققت الأقوال بذلك.
وفيه خلع السلطان علي أزبك اليوسفي المعروف بالخازندار، وقرره في رأس نوبة كبير عوضا عن تغري بردي ططر بحكم وفاته. وخلع علي شاد بك الخوخ بن مصطفى وقرره في الدوادارية الثانية عوضا عن قانصوه الألف بحكم انتقاله إلى التقدمة وكانت الدوادارية الكبرى شاغرة مدة طويلة. وأنعم على مملوكه طقطباي بامرية عشرة وجعله متحدثا في نيابة القلعة فاستمر بها من غير أن يخلع عليهن بها. وأنعم علي يشبك بن حيدر الذي كان والي القاهرة بتقدمة ألف مضافا لما بيده من الآخورية الثانية. وأنعم على مملوكه جانم الذي كان بالشام أميرا بتقدمة ألف، وكتب له بذلك البشارة وهو بالشام، وقرر مملوكه مغلباي الشريفي في تقدمة ألف مضافا لما بيده من ولاية القاهرة، فأقام على ذلك مدة حتى تقرر غيره.