للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فحضر القاضي الشافعي زين الدين زكريا، والقاضي الحنفي ناصر الدين بن الأخميمي، والقاضي المالكي عبد الغني بن تقي، والقاضي الحنبلي بدر الدين محمد السعدي. فلما تكامل المجلس شرع السلطان في التكلم معهم فذكر لهم أن ابن عثمان ليس براجع عن محاربة عسكر مصر، وأن أحوال البلاد الحلبية قد فسدت آلت إلى الخراب، وأن التجار منعوا ما كان يجلب إلى مصر من الأصناف، وأن المماليك الجلبان يرومون مني نفقة، وإن لم أنفق عليهم شيئا نهبوا مصر والقاهرة، وحرقوا البيوت، ومتى رجع عسكر ابن عثمان إلى البلاد الحلبية لا يخرج العسكر من مصر حتى أنفق عليهم … ثم شرع يقسم بالله تعالى أنه ما بقي في الخزائن شيء من المال لا كثير ولا قليل. والقصد أن أفرض على الأوقاف والأملاك التي بمصر والقاهرة من أماكن وغيطان وحمامات وطواحين وأفران ومراكب وغير ذلك أجرة سنة كاملة أستعين بها على خروج التجريدة. فسكت المجلس ساعة. ثم قال القاضي الشافعي: "لعل الله تعالى يكفيكم مؤنة ذلك". وقال القاضي المالكي: "إن أجرة سنة كاملة تثقل على الناس ولا يطيقون لك، فإن كان ولا بد من ذلك فلنفرض عليهم أجرة خمسة أشهر، وقبل ذلك فرض عليهم أجرة شهرين، فهذه سبعة أشهر وما يطيق الناس أكثر من ذلك". فتوقف السلطان، ثم آل الأمر إلى ما قاله قاضي القضاة المالكي، وانفض المجلس على ذلك فلما بلغ الناس ما وقع، اضطربت الأحوال وكثر القال والقيل في ذلك، وأشيع عن السلطان أنه يفرض على الجماجم من كل ذكر وأنثى من كبير وصغير على كل راس دينارين ذهبا، وتكلموا من هذا النمط بأشياء كثيرة. ثم بعد أيام رسم السلطان لتغري بردي الأستادار بأن يكون متكلما في جباية الأملاك. من باب زويله إلى دير الطين. ورسم لابن الصابوني ناظر الخاص بأن يكون متكلما في جباية الأملاك من باب زويلة إلى خارج الحسينية. فعند ذلك اضطربت الأحوال وتزايدت الأهوال، وتوجهت الرسل الغلاظ الشداد، ولم يراعوا الوداد، وأكثر الناس صاروا رسلا. وطلبوا أعيان الناس، وانقطع الرجاء بالياس، وصار الإنسان يخرج من داره فيرى أربعة من الرسل في استنظاره. فيكون نهاره أعبر، ويخرج وهو في أذياله يتعثر، فيقدحون فيه الزناد، ولا يرى له من اعتماد، وقد قال بعض الموالة في هذا المعنى:

غرمت شهرين عن أجرة مكاني أمس … وأصبحت مغموس في بحر المغارم غمس

أقسم برب الخلايق والقمر والشمس … ما طقت شهرين كيف أقدر أطيق الخمس

<<  <  ج: ص:  >  >>