وفي ربيع الآخر تزايدت الأقوال بوقوع الطاعون حتى حكى أن شخصا من الأتراك رأى في منامه ملك الموت ﵇، فقال له:"من أنت؟ " قال: "أنا ملك الموت جئت إلى أخذ أرواح الكثير من الناس، فإن الطاعون قد دخل إلى مصر". فقال له ذلك الجندي:
"فهل تقبض روحي في هذا الوباء؟ " فقال له: "قد بقي من عمرك سبعة أيام".
فانتبه الجندي من المنام وهو مرعوب. فلما أصبح كتب وصية، ثم أنه في اليوم السابع مات كما رأى. فعد ذلك من النوادر الغريبة.
وفيه جاءت الأخبار بأن مملكة حسن بك الطويل في اضطراب، وأن ابن عثمان قد أشرف على أخذ بلاد حسن الطويل من يد أولاده، فلما بلغ السلطان ذلك قصد أن يخرج تجريدة صحبة حسين بن أعزلو بن حسن الطويل الذي كان مقيما بالقاهرة. ثم آل الأمر إلى إهمال خروج التجريدة. ومات حسين فيما بعد لما حج، ودفن بالمدينة الشريفة.
*****
وفي جمادى الأولى قويت الإشاعات بوقوع الطاعون، وزعموا أن إنسانا رأى النبي ﷺ في المنام فقال له:"إن الطاعون كان واقعا عليكم، فشفعت فيكم، عند ربي، وقل للناس يصومون سبعة أيام متوالية" فصار الكثير من الناس يصوم سبعة أيام متوالية فلم يفد ذلك شيئا، ووقع الطاعون بالديار المصرية. وكان طاعونا مهولا. "قلت" ولم يقع الطاعون بمصر من سنة إحدى وثمانين وثمانمائة إلا في هذه السنة. وقد غاب الطاعون ست عشرة سنة لم يدخل مصر، وكان هذا الطاعون من الطواعين المشهورة بموجب إبطائه هذه المدة، وهو الطاعون الثالث الذي وقع في دولة الأشرف قايتباي وكان مبدأ هذا الطاعون من حلب، وكان في مدة انقطاعه عن مصر كثر بها الزنا واللواط وشرب الخمر وأكل الربا وجور المماليك في حق الناس وقد روى عن رسول الله ﷺ أنه قال:"ما من قوم يظهر فيهم الزنا إلا أخذوا بالفناء". قال العلامة شهاب الدين بن حجر: والحكمة في ذلك أن الزنا حده ازهاق الروح في المحصن، فإذا لم يقم فيه الحد يسلط الله عليهم الجن فيقتلونهم. ولما كان الزنا يقع من بني آدم سرا سلط الله عليهم الجن يقتلونهم سرا من حيث لا يرونهم. وقاعدة العذاب أنه إذا نزل يعم المستحق له وغيره … والرحمة لا تكون إلا مخصوصة. ثم يوم القيامة يبعثون على قدر نياتهم. وقال ابن مسعود ﵁:"إذا بخس المكيال حبس القطر، وإذا كثر الزنا وقع الطاعون، وإذا كثر الكذب وقع الهرج".