للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنا أسمر والراية البيضاء لي … لا للسيوف وسل من الشجعان

لم يحل لي عيش العداة لأنني … نوديت يوم الحرب بالمرّان

هذا ما كان من أمر هؤلاء - وأما ما كان من أمر أزبك أمير كبير، فإنه أقام بقاعة البحرة ثمانية أيام، فلما كان يوم الجمعة رسم له السلطان بأن يصلي معه بالشاش والقماش على عادته، فخرج وصلى مع السلطان الجمعة. فلما فرغ من صلاة الجمعة أراد أن ينزل فقيل له: إن المماليك واقفة بالرميلة، ومتى نزلت يقطعوك ويقتلوك لا محالة، فخاف عليه السلطان وأدخله إلى قاعة البحرة. ثم أنه اجتمع بالسلطان وقال له: "أنا ما بقي لي إقامة بمصر، يقتلني المماليك الجلبان، وقصدي أتوجه إلى مكة المشرفة"، فأجابه السلطان إلى ذلك.

فلما كان يوم السبت ثامن ذي الحجة من تلك السنة نزل الأتابكي أزبك من القلعة وهو راكب على أكديش، وعلى رأسه تخفيفة صغيرة وعليه ملوطة بيضاء من غير تقييد، ولا أوجاقي خلفه، فتوجه إلى مكة المشرفة من الطور مسافرا بالبحر، إلى أن يصل إلى جدة، ويرحل من جدة إلى مكة المشرفة، ورسم له السلطان أن يأخذ ولده يحيى معه إلى مكة المشرفة، وكانت نكبة بغتة على حين غفلة كما يقال:

على قدر فضل المرء تأتي خطوبه … ويعرف عند الصبر فيما يصيبه

ومن قل فيما يتقيه اصطباره … فقد قل فيما يرتجيه نصيبه

وكانت مدته في الأتابكية نحوا من سبع عشرة سنة وسوف يعود إلى الأتابكية ثانيا، كما سيأتي الكلام عليه.

وفيه، في ذلك اليوم، رسم السلطان بإخراج يشبك الجمالي الزردكاش الكبير، وأحد المقدمين، فخرج منفيا إلى القدس، ولم يكن له ذنب غير أنه كان من جماعة أمير كبير، وحضر يوم الركبة، فصار له ذنب. وكان يشبك الجمالي من خواص السلطان، ثم انقلب عليه، فأقام بالقدس منفيا إلى أن مات عن قريب فكان كما قيل:

يعدون ذنبا واحدا إن جنيته … علي وما أحصى ذنوبهم عدّا

<<  <  ج: ص:  >  >>