للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأزرار فطلع صحبتهما إلى القلعة. فلما رآه المماليك الجلبان، كادوا أن يقطعوه بالسيوف.

وقيل: إن الأمير أقبردي الدوادار لكمه وشتمه. فلما وقف بين يدي السلطان قام له وأمر بإدخاله إلى قاعة البحرة خوفا عليه من المماليك الجلبان أن يقتلوه. فلما بلغ قانصوه خمسمائة ومن معه من الأمراء، أن أزبك أمير كبير قد عوقوه بالقلعة، ركب وتوجه من على قنطرة الحاجب واختفى من حيث لا يعلم له خبر. وكذلك قانصوه الألفي، وقانصوه الشامي وبقية الأمراء ممن كان من عصبة قانصوه خمسمائة. فلما اختفى الأمراء انفض ذلك الجمع الذي كان بالأزبكية كأنه لم يكن. وكان قانصوه خمسمائة في السنة المذكورة جدد سور باب السلسلة، وأنشأ المقعد المطل على الرميلة، والبيت، وحوله أبراج موجودة به إلى الآن … ثم أن السلطان نادى للعسكر أن يقلعوا آلة الحرب، ويتوجهوا إلى بيوتهم.

ونادى للناس بالأمان والاطمئنان. وسكنت تلك الفتنة.

فلما كان يوم الجمعة صبيحة ذلك اليوم قبض بعض مشايخ العربان على قانصوه الألفي، وكان قد توجه إلى بر الجيزة، فقبض عليه من هناك، وأحضره إلى بيت أقبردي الدوادار، فقيده وأرسله إلى السجن بقلعة صفد. ثم أن قانصوه الشامي أرسل يطلب من السلطان الأمان، فأرسل له في ذلك اليوم منديل الأمان. فلما قابل السلطان خلع عليه وقرره في نيابة حماة، ورسم له أن يخرج من يومه إلى السفر. ثم أن الأمير أقبردي الدوادار صار يقبض على جماعة من الأمراء الطبلخانات والعشراوات، ممن كان من عصبة قانصوه خمسمائة، فقبض على قيت الرحبي، وبرسباي الثور الشريفي، فقيدهما وتوجهوا بهما إلى السجن بالصليبة، ثم على جماعة آخرين منهم، وهم: برسباي الخسيف، وقرقماس الشريفي، وأسنباي المبشر، وقايتباي المبشر أيضا، وأزبك قفص، ولكن فر من أثناء الطريق. وقبض على سودون الفقيه. فنفي هؤلاء الجماعة عن آخرهم. واستمر قانصوه خمسمائة مختفيا، حتى كان من أمره ما سيأتي ذكره في موضعه. وقد انتصف أقبردي الدوادار على جماعة قانصوه خمسمائة، وبدد شملهم، وفتك في تلك الأيام وطاش وخف إلى الغاية، واجتمعت فيه الكلمة، وصار صاحب الحل والعقد، ليس على يده يد، وكان ذلك من أكبر الفساد في حقه كما قيل:

كل شيء إذا تناهى تواهى … فانتقاص البدور عند التمام

ثم أن أقبردي الدوادار فرق في تلك الأيام المذكورة أضحية جزيلة على العسكر، فكانت تعادل ضحايا السلطان، من بقر وغنم، حتى غمر العسكر بالإحسان، فكان كما يقال في المعنى:

<<  <  ج: ص:  >  >>