صيني بسمور، ورسم له بأن يتوجه إلى داره. ونزل من القلعة في موكب حافل، وصحبته الأتابكي تمراز وأقبردي الدوادار، فأوصلاه إلى داره ورجعا.
*****
وفي ذي القعدة ثارت فتنة كبيرة من المماليك الجلبان، ممن هم من عصمة قانصوه خمسمائة، فلبسوا آلة السلاح، وطلعوا إلى الرميلة، وحاصروا أقيردى الدوادار فلما تزايد الأمر أحرقوا الربع الذي عند سوق الحلاق. فلما بلغ السلطان ركب ونزل إلى باب السلسلة، وجلس بالمقعد المطل على سوق الخيل بالرميلة، فلم تخش منه المماليك، وتزايد الأمر. ومما أفحش به المماليك في حق السلطان أنه قبل ذلك بمدة طويلة، كان السلطان ينام في الصيف على الدكة التي بالحوش، فدخل بعض الخاصكية عليه في الليل، وقالوا:
"إن المماليك الذين في طبقة المطلع قد عولوا على أن ينشبوا على السلطان وهو راقد على الدكة". فلما بلغ السلطان ذلك، قام وبادر وراح من على الدكة. فلما أصبح وجد ثلاثة أسهم من النشاب في المخدة واللحاف الذي كان للسلطان بسبب النوم والتغطية عليه. فما وسع السلطان إلا أنه فرق المماليك الذين بطبقة المطلع على الأطباق، وجعل على حائط طبقة المطلع بناء يستتر منه رؤية الحوش … وقيل: إن الذي فعل به ذلك ورمي هو شخص خاصكي من أخصائه يسمى شرامنت، فأحضره وضربه بين يديه نحوا من ألفي عصا حتى قيل: إنه مات، وضرب معه جماعة من أصحابه وسجنهم بالبرج، وقطع جوامكهم، وأبطل شرامنت من الخاصكية، وذلك قبل فتنة ابن عثمان مع السلطان … واستمر السلطان جالسا بالمقعد الذي بباب السلسلة إلى ما بعد العصر، فبلغه أن أقبردي الدوادار قد غيب من داره، فعند ذلك قام السلطان وقد حم في جسده، فركب وطلع إلى القلعة. وكان هذا آخر ركوبه ورؤية الناس له. فلما دخل إلى الحوش طلع إلى المقعد، ودخل إلى البيت الذي كان به فلزم الفراش، وثقل في المرض من ليلته. ولما غيب أقبردي نهب العوام داره، ودور الأمراء الذين من عصبته، منهم أينال الخسيف، وشاد بك، وقانم، وجانم مصبغة وغيرهم. وهذه أول كسرة أقبردي فكان كما قيل:
لا تعجبوا للدهر في أفعاله … إن أضحك الباكي وأبكى الضاحكا
ثم أن السلطان تزايد به الألم، وقوي عليه أمر الإسهال المفرط، وعجز عن الحركة، وكثر القيل والقال بين الناس.