شخص يسمى جانم أخا قانصوه الألفي، وجعله والي القاهرة، وكان قانصوه خمسمائة محبا للناس قاطبة، بخلاف أقبردي، فلما لم يبق سوى أن يفاض عليه شعار الملك، ويركب فرس النوبة، ويحمل على رأسه القبة والطير، ويصعد إلى القلعة، ويجلس على سرير الملك … وقع عند ذلك العجائب والغرائب كما يقال في المعنى:
ستقضي لنا الأيام غير الذي قضت … ويحدث من بعد الأمور أمور
ثم أن قانصوه خمسمائة بعث بعض الأمراء إلى القلعة، بأن يقبض على الملك الناصر، ويدخله إلى قاعة البحرة. فتعصب له جماعة من مماليك أبيه الذين كانوا بالطباق وجمداريته وكتابه، وكانوا نحوا من ألف مملوك. وكان رأس الجلبان قانصوه خال الملك الناصر، فمنعوه من دخول قاعة البحرة ومن إعطائه الترس والنمجاه ولم يكن عند الناصر أحد من الأمراء، فقام قانصوه في محاربة قانصوه خمسمائة أشد القيام، وقاتل هو والجلبان قتال الموت، فملكوا في ذلك اليوم رأس الصوة وسلم المدرج والطبلخاناه … وعمد قانصوه خال السلطان إلى الزردخانة ففتحها، وأخرج منها زرديات، وخوذا وقسيا ونشابا، وفرقها على المماليك الجلبان. وكان البدري حسن بن الطولوني نائبا بالقلعة، فأحضر النجارين والحجارين، فعملوا أشياء من الطوارق والمدافع. وكان عند الملك الناصر عدة وافرة من العبيد رماة، ما بين بندق رصاص ونفطية، فحاصروا قانصوه خمسمائة وهو بباب السلسلة أشد المحاصرة. ثم أن كرتباي الأحمر توجه خلف القلعة، ونصب مكحلة على الجبل المقطم تجاه القلعة، ورمي بها على الحوش السلطاني فلم يفد ذلك شيئا … ثم أن قانصوه خمسمائة نادى في القاهرة بأن أولاد الناس النفطية تطلع إلى باب السلسلة ويبيتون بها، فلم يطلع إليه أحد منهم، فاستمر قانصوه في المحاصرة، وهو مقيم بباب السلسلة، والخليفة والقضاة الأربعة والأمراء عنده واستمر على ذلك يومي الأربعاء والخميس.
*****
فلما كان يوم الجمعة، مستهل جمادى الآخرة، وقع في ذلك اليوم واقعة مهولة وقت صلاة الجمعة وأحرق المماليك الذين بالقلعة سقيفة الإصطبل السلطاني بحراريق وبارود رموه عليها، فاحترق الإصطبل، وصار المقعد الذي بباب السلسلة مكشوفا، فخاف قانصوه خمسمائة على نفسه أن يرموا عليه شيئا من فوق. وكانت سقيفة الإصطبل تمنع الرمي عن المقعد الذي بباب السلسلة. فلما رأى قانصوه خمسمائة عين الغلب، ركب ونزل من باب السلسلة، ووقف عند سبيل المؤمنين، فحرر عليه بعض الرماة بكفيه وقيل: ببندقية،