للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من أودعوه الرمس ما أنصفوا … بل كان يخبي في صميم الفؤاد

فالله يأجره على ما جرى … من قتله بالعفو يوم المعاد

ومات الأتابكي تمراز وهو في عشر الثمانين، وكان لين الجانب واسطة خير، وكان يظن كل أحد أنه يتسلطن. وقد ترشح أمره إليها غير ما مرة، وكان إذا سأله أحد في حاجة يقول له: "اصبر علينا حتى يجيء وقتها". وكان طامعا في السلطنة فخابت فيه الظنون، وجاء الأمر بخلاف ما أمل أن يكون.

وفيه جاءت الأخبار بأن أقبردي لما مر على الشرقية، كادت طائفة عربان بني حرام أن تقتله، فرجموه حتى جاءته رجمة في وجهه، وسبوه سبا قبيحا، وفعلوا به ذلك في عدة أماكن، وما خلص منهم إلا بعد جهد كبير … وسبب ذلك أنه سلط عليهم بني وائل، وقتل منهم في مدة المعركة ما لا يحصى، فلما انكسر ومر بهم انتقموا منه، وجرى عليه منهم ما لا خير فيه. فلما هرب أقبردي وقتل تمراز اضطربت الأحوال، وتزايدت الأهوال، ونزل المماليك من القلعة، وعطعطوا في المدينة، وصاروا يدخلون الحارات وينهبون البيوت، حتى نهبوا الربوع التي هي سكن العوام. ثم توجهوا إلى حارة زويلة ونهبوها بسبب أنه كان لأقبردي حاصل هناك فيه مال، فنهبوا ما كان فيه، حتى قيل كان فيه ما يزيد على مائة ألف دينار غير الخيام والقماش الذي كان به. ونهبوا بيوت اليهود الذين حوله، ودخل الزعر والعبيد فنهبوا القبة التي في مدرسة السلطان حسن، وأخذوا الرخام الذي بها، والشبابيك النحاس التي بها، والأبواب … ومن يومئذ تلاشى حال المدرسة إلى الأن، واستمر النهب والقتل دائرا ثلاثة أيام متوالية. ولم يجدوا من يردهم عن ذلك، والمدينة مائجة. وقد تعطلت الخطبة، وإقامة الصلاة من مدرسة السلطان حسن، نحوا من ستة أشهر. وكان كل من ظفروا به من جماعة أقبردي يقتلونه شر قتلة. ثم قبض على المعلم دميلكو، وأحضروه عند الأمير كرتباي الأحمر فقطع رأسه وعلقها على باب السلسلة، كما قيل في الأمثال: "وربما عوقب من لا جنى".

وقد خرجت السنة المذكورة على ما شرح فيها من الفتن والأنكاد والفساد وخراب البلاد. ووقع فيها الغلاء، وتشحطت الغلال، وقتل فيها من الأمراء نحو من خمسين أميرا، ما بين مقدمي ألوف وطبلخانات وعشراوات. وقد تقدم ذكر ذلك عند وقوع كل حادثة، من أوائل السنة المذكورة إلى آخرها، حسبما أوردناه من الوقائع. وقتل من الجند والعرب نحو من ألف إنسان، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وما حصل لعسكر مصر بعد وفاة الأشرف قايتباي خير، وجاءت الأمور بضد ما أملوه من بعده، فكان كما يقال:

<<  <  ج: ص:  >  >>