بيت تاني بك قرا ومشوا إلى رأس الصليبة، لقيه طائفة من المماليك الفواقة غير هؤلاء فقنطروه عن فرسه فوقع إلى الأرض، وطلعوا به إلى دكان هناك ونزعوا ثيابه عنه، وحزوا رأسه على الدكان بالسيف، فلم تنقطع، فكسروها حتى خلصت عن جثته. وكان الذي قتله من أرذل المماليك السيفية يقال له: برد بك الأشقر. ثم أخذ رأسه، وقبض عليها من ذقنه، وطلع بها إلى القلعة. فلما عرضت على الملك الناصر شق عليه ذلك، لكونه كان من قرابة أبيه الملك الأشرف قايتباي ﵀. ثم أمر بلفها في فوطة، وأرسل معها ثوبين بعلبكيين، وثلاثين دينارا. ثم أن بعض جماعة الأتابكي تمراز أحضروا له نعشا، وأخذوا فيه جثته وتوجهوا بها إلى مكان بالقرب من بيت تغري بردي الأستادار، وخيطوا رأسه على جثته، وغسلوه، ثم أحضروا كرتباي ابن عمة السلطان الذي قتل في مدرسة السلطان حسن، فغسلوه مع الأتابكي تمراز، وأخرجوهما في يوم واحد، وصلوا عليهما في مصلى باب الوزير، ثم توجهوا بهما إلى تربة الأشرف قايتباي، فدفن الأتابكي تمراز داخل القبلة، ودفن كرتباي ابن عمة السلطان علي جانم قريب السلطان الذي كان ناظر الجوالي ومقدم ألف. وكان الأتابكي تمراز أميرا جليلا معظما دينا كثير البر والصدقة محسنا للناس، جميل الهيئة، وله آثار ومعروف. منها ما فعله في الجسور التي صنعها بالغربية، وهو كاشف التراب بالغربية … وكان أصل الأتابكي تمراز من مماليك الأشرف برسباي فأعتقه، وأخرج له خيلا وقماشا، وصار من الجمدارية. ثم بقي خاصكيا ساقيا في دولة الأشرف أينال، ثم أنعم عليه بأمرية عشرة وصار عنده من المقربين، ثم نفي إلى دمياط في دولة الظاهر خشقدم، ثم حضر إلى القاهرة في دولة الظاهر تمربغا، فلما تسلطن جعله مقدم ألف، ثم بقي رأس نوبة كبير، ثم بقي أمير سلاح، ثم بقي أتابك العسكر عوضا عن أزبك بن ططخ لما نفي إلى مكة المشرفة كما تقدم … وكان تمراز أميرا كبيرا، كان إذا جلس في أي مكان ودخل إليه الأدنى أو الأعلى يقوم له القيام الكلي ويجلسه، وكان لا يجلس بمقعده إلا وهو مزرر الملوطة، وهو بالخف والمهماز، ولم تبن له رجل وهو جالس، وهذا من النوادر في زمننا هذا. فلما مات رثيته بهذه الأبيات، وهي قولي مع التضمين: