للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والسيفية نحو من ألف مملوك فلما خرج من داره دخل من الدرب الذي عند حمام الفارقاني، وخرج من الدرب الذي تجاه المدرسة الصرغتمشية، وتوجه من هناك إلى بولاق، وطلع على جزيرة الفيل، ثم خرج إلى الفضاء، وقصد التوجه إلى البلاد الشامية، فدخل خانقاه سرياقوس، فلم يقم بها. واستمر يجد السير حتى وصل إلى بلبيس، فلم يتبعه أحد من الأمراء ولا العسكر، حتى خرج وتوجه إلى البلاد الشامية. وجرى منه أمور يطول شرحها … يأتي الكلام على بعضها في مواضعه.

والذي وقع لأقبردي الدوادار لم يقع لمنطاش الناصري في أيام الظاهر برقوق، وكانت مدة محاصرته للقلعة أحدا وثلاثين يوما، ولم يسمع بمثل هذه الواقعة فيما تقدم، قال بعض المؤرخين: "لم يقع بمصر من يوم فتحها إلى الآن، مثل واقعة أقبردي الدوادار، فكانت من غرائب الوقائع. وفي مدة هذه المحاصرة كانت الأسواق معطلة، والدكاكين مقفلة، وامتنع البيع والشراء، ولم تظهر في تلك الأيام امرأة بالأسواق، ولا بالطرقات، وكثر القتل والنهب، وكان الناس في أمر عظيم". .. قيل: لما طال أمر هذه الفتنة، دخل على الأمير أقبردي، جماعة من الفقراء الرفاعية والقادرية والأحمدية، وجماعة من الصوفية، سألوه أن يكف عن هذا القتال، وأن يقع الصلح بين الطائفتين، فأبى أقبردي ذلك. ثم نزل إليه مثقال مقدم المماليك رسولا عن لسان السلطان، بأن يكون الصلح بينه وبين الأمراء على يد السلطان، فأبى أقبردي ذلك.

وكان دميلكوا قد فرغ من المكحلة وركبها، ورمى بها أول حجر، فكسر باب السلسلة، فاضطرب من كان بالقلعة، وهجموا على المكحلة، ودقوا بها مسمارا وكانت معيبة، فلما خرقوا منافضها وشمت النار، خرج الحجر منها على حين غفلة، وانكسر أقبردي. وكانت هذه ثالث كسرة وقعت لأقبردي، وكانت آخر العهد به، فلم يدخل بعدها إلى مصر، وقاسى شدائد ومحنا يأتي الكلام عليها.

فهذا ما كان من أمر أقبردي الدوادار. وأما ما كان من أمر الأتابكي تمراز فإنه كان مقيما بالبيت الذي بجوار بيت يشبك الدوادار، الذي كان عند المدرسة البندقدارية، وكان متوعكا في جسده، فلم يشعر بكسرة أقبردي، فلما أراد أقبردي أن يفر أرسل خلف الأتابكي تمراز وأعلمه بما جرى، وأراد أن يأخذه معه، فأبطأ عليه وخشي من العسكر أن يهجموا عليه ويقتلوه، فأسرع في الخروج من داره وترك الأتابكي تمراز في داره ومضى. ثم أن الأتابكي لبس قماشه، وركب وخرج من البيت الذي كان به، فلما وصل إلى بيت تاني بك قرا، لاقاه جماعة من المماليك الفواقة وقبضوا عليه، وقصدوا قتله، وأدخلوه إلى بيت تاني بك قرا، ثم بدا لهم أن يطلعوا به إلى القلعة. فلما خرجوا به من

<<  <  ج: ص:  >  >>