وفي جمادى الآخرة وقعت الوحشة بين السلطان والأمراء، بل وبين خاله قانصوه، بسبب ما تقدم من تلك الفتنة التي وقعت من حلف أقبردي. وقد نسب فيها السلطان إلى غرض.
وفيه قرر يحيى بن سبع في أمرية الينبع عوضا عن دراج بحكم صرفه عنها.
وفيه جاءت الأخبار بقتل الطواشي لؤلؤ الرومي، رأس نوبة السقاة والخازندار، وكان قد خرج إلى الوجه القبلي في بعض أشغال ليتوجه إلى مكة المشرفة. وكان صحبته السجيني المرافع فخرج عليهم جماعة من العربان، فقتلوا لؤلؤا والسجيني ومن معهم.
وفيه نزل السلطان وبات في تربة أبيه، وحصل منه تلك الليلة عدة مساوي لا ينبغي شرحها.
وفيه جاءت الأخبار بوصول الطاعون إلى قطيا، وقد فشا بها وهو زاحف نحو الديار المصرية.
وفيه نادى السلطان في القاهرة ومصر بأن تعلق على الحوانيت قناديل وكذلك البيوت المطلة على الشوارع. وصار يركب هو بنفسه في كل ليلة بعد العشاء وقدامه فانوسان أكره، وأربعة مشاعل، ومعه أولاد عمه قيبت - وهما جانم وأخوه جاني بك - وقدامه عدة عبيد سود معهم بندقيات نفط. وكان إذا طاف بالقاهرة بعد العشاء ورأى أحدا يمشي، يقطع أذنه مع أنفه، ومنهم من يضربه بالمقارع، ومنهم من يوسطه … فقتل من الناس جماعة في مدة يسيرة. وكان إذا مر بدكان ولم ير عليها قنديلا يأمر بتسميرها وهو واقف بنفسه عليها حتى يسمروها، وكل هذا خفة وطيش. وقد بهدل حرمة المملكة في أيامه، ولم يتبع طريقة الملوك السالفة في إقامة حرمة السلطان. وصار على طريقة والي الشرطة.
وفيه قبض بعض الخاصكية والمماليك على عبد من عبيد السلطان يقال له: فرج الله، وكان مقربا عنده إلى الغاية، فضربوه وقتلوه بالرميلة، فشق ذلك على السلطان، وتأسف عليه، ولم يقدر أن يحميه من المماليك، فإنهم كانوا يومئذ طالبين للشر مع السلطان بسبب هذه الأفعال التي تصدر منه.
وفيه قرر شاهين الجمالي في نظر الحرم الشريف، على صاحبه أفضل الصلاة والسلام، على عادته، فخرج إلى السفر عن قريب، وأمره السلطان بأن يتوجه إلى يحيى بن سبع أمير الينبع ويصلح بينه وبين أمير مكة المشرفة، وكان قد وقع بينهما في تلك الأيام وحشة.