للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي رمضان تزايد أمر الطاعون، وفتك في المماليك والأطفال والغرباء والعبيد والجواري فتكا ذريعا، حتى قيل: إنه انتهى إلى ثمانية آلاف من الأموات، فكان كما قيل:

ألا إن بحر الوبا قد طغى … وقد أرسل الطعن طوفانه

ولا عاصم اليوم من أمره … سوى رحمة الله سبحانه

ومات من الأعيان جماعة كثيرة، منهم: الناصري محمد بن الشهابي أحمد بن العيني، وكان شابا رئيسا حشما أديبا عاقلا، تولى من الوظائف حسبة القاهرة، ونظر الجوالي، ووكالة بيت المال، وتوجه إلى الحجاز أمير أول في دولة الملك الناصر، وكان عنده من أخصائه. ومات بيبرس ابن حيدر الأشرفي قايتباي، نائب القلعة. ومات الأمير جان بلاط الغوري، رأس نوبة النوب، وكان قليل الأذى لا بأس به، وكان أصله من مماليك الأشرف قايتباي. وما صنطباي المبشر الأشرفي قايتباي، أحد الأمراء الطبلخانات. وماتت شاشة أم أقبردي الدوادار الجركسية، فنزل السلطان وصلى عليها وحمل نعشها قانصوه خال السلطان، ومشى به خطوات. وماتت أم الجمجمة بن عثمان، سرية أبيه محمد بن عثمان، ملك الروم. وكان اسمها ججك، وكانت لا بأس بها. ومات قيت الأشرفي أحد العشراوات، وشاد الطرانة. ومات عبد القادر الألواحي بواب الدهيشة، وكان عند الملك الناصر من جملة المقربين، وكان الناس تسعى في الوظائف على يديه.

وفيه من الوقائع أن شخصا من المماليك الجلبان طعن، فلما أشرف على الموت أحضر شهودا وأخرج بين أيديهم جملة قماش، ما بين بشاخين ومقاعد ومخدات وبسط وغير ذلك، ومبلغا نحوا من ثلاثة آلاف دينار، وأخبر أنه نهب ذلك من مكان سماه. ثم قال لغلامه:

"امض وائتني بأصحاب ذلك القماش". فمضى الغلام والشهود جالسون عنده فغاب ساعة، ثم أحضر أصحاب القماش، فعرفهم ذلك المملوك فسلمهم تلك الأموال والقماش بحضرة الشهود. وسألهم المحاللة فلما حاللوه ومضوا مات من ليلته … فعد ذلك من الوقائع. ومات آخر من المماليك الجلبان فوجد عنده خمسة عشر ألف دينار، فذكر غلامه أنه نهب ذلك من حاصل أقبردي الدوادار، في حارة زويلة، فحمل ذلك المال إلى خزائن السلطان.

ومات مصرباي بن علي باي الذي كان نائب قلعة حلب وعزل عنها.

وفيه رسم السلطان لما كثر الموت بعمارة سبيل المؤمنين، وهي المصلى التي بالرميلة، وكان خرابا من حين حاصر أقبردي القلعة.

<<  <  ج: ص:  >  >>