فلما كان يوم الخميس صبيحة ذلك الأمر، بعث خال السلطان ثلاثة نعوش إلى الطالبية، فأحضروا جثة السلطان وأولاد عمه جانم وأخيه جاني بك وأزبك بك الخاصكي. فلما عدوا بهم من الجيزة أتوا بهم إلى بيت الأشرف قايتباي الذي أنشأه بقرب حمام الفارقاني، فغسلوا السلطان وأولاد عمه والخاصكي، وأخرجوا ولم يكن معهم غير الحمالين فقط، فأتوا بهم إلى باب الوزير فلم يجدوا من يصلي عليهم حتى أمسكوا بعض الفقهاء وصلى عليهم. ثم توجهوا بهم إلى تربة الأشرف قايتباي فدفنوا الملك الناصر على أبيه داخل القبة، وأولاد عمه على جاني قريب السلطان، وأزبك الخاصكي وحده بعيدا عنهم في التربة. وقد رثيت الملك الناصر لما مات بهذين البيتين وهما قولي:
يا قبر لا تظلم عليه فطالما … جلى بطلعته دجى الأظلام
طوبى لقبر قد حواه وكيف لا … يحكي السماء وفيه بدر تمام
وكان الملك الناصر حسن الشكل، أبيض اللون، عربي الوجه، نحيف الجسد، معتدل القامة، وكان ضعيف الخط في العلامة، قتل وله من العمر نحو من سبع عشرة سنة، وكان مولده سنة سبع وثمانين وثمانمائة. وكان يوصف بالكرم الزائد والشجاعة لكنه كان جاهلا عسوفا جريء اليد سفاكا للدماء سيئ التدبير، كثير العشرة للأوباش من أطراف الناس. ووقعت منه أمور شنيعة في مدة سلطنته لا ينبغي شرحها. وليس له من المحاسن إلا القليل. وسار في المملكة أقبح سير، ولم يقع من أبناء الملوك من السوء قط ما وقع منه في سائر أفعاله، حتى جاوز الحد في ذلك. وفيه أقول:
سلطاننا الناصر المفسدي … أخباره نقلها صحيح
بالجهل أضحى قبيح فعل … فلم يفد شكله المليح
وكانت مدة سلطنته بالديار المصرية نحوا من سنتين وثلاثة أشهر وتسعة عشر يوما.
وكانت أيامه كلها فتنا وشرورا وحروبا قائمة، كما تقدم ذكر ذلك من الوقائع وما كان قصد السلطان الأشرف قايتباي أن يتسلطن ولده خوفا عليه من ذلك.
ولما قتل الملك الناصر تولى بعده خاله المقر السيفي قانصوه الدوادار الكبير.