ابني عمه وبعض سلحداريته. فلما ركب مر على الطالبية، وكان الأمير طومان باي هناك بقصد التوجه إلى البحيرة، كما تقدم ذكره. فلما مر عليه خرج له طومان باي مسرعا وعزم عليه فلم ينزل عنده، فخرج إليه بجفنة فيها لبن فاخر، فوقف السلطان وهو راكب على فرسه، فقدموا له الجفنة اللبن وملعقة، فمد يده إلى الجفنة وأكل من اللبن. فبينما هو يأكل والأمير طومان باي ماسك لجام فرسه، فلم يشعر إلا وقد خرج عليه كمين من الخيام التي هناك، نحو من خمسين مملوكا وهم لابسون آلة السلاح، فاحتاطوا به وعاجلوه بالحسام قبل الكلام. فقتلوه شر قتلة، وحملوا عليه أي حملة. فجاءت ضربة على عاتقه وكتفيه فهدلته، وطعن في جوفه فوقع عن فرسه إلى الأرض، وقتلوا ولدي عمه الاثنين جانم وأخيه جاني بك وكانا شابين جميلين، وقتل معهما شخص من السلحدارية يقال له أزبك الغمري الخاصكي المعروف بالبواب، وكان من خواص السلطان. وتقرب هذه الواقعة من واقعة الأشرف خليل بن الملك المنصور قلاوون، وقد قتل من مثل هذه القتلة بعينها في تروجة بمكان يعرف بالحمامات، وذلك في سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة. قتله مماليك أبيه أيضا.
وكانت قتلة الملك الناصر في يوم الأربعاء بعد العصر خامس عشر ربيع الأول سنة أربع وتسعمائة، وقتل بأرض الطالبية، وقد نسب قتله إلى طومان باي وأزبك وأزدمر وبعض مماليك أبيه. فكان كما قيل في المعنى:
كنت من كربتي أفر إليهم … فهمو كربتي فأين المفر
أو كما قيل:
رعاة الشاة تحمي الذئب عنها … فكيف إذا الرعاة هي الذئاب
فلما قتل الملك الناصر صارت جثته مرمية على الأرض ومن قتل معه. فلما دخل الليل حمله جماعة شيخ الطالبية، وأدخلوه مسجدا هناك، وألقوه على حصير هو ومن معه وهو ملطخ في دمه، ورأسه مشتبكة في جثته ببعض شيء. فبات هناك في تلك الليلة. فلما جاءت الأخبار إلى القاهرة بما وقع للناصر من قتله اضطربت أحوال المدينة وماجت بأهلها. ولبس العسكر آلة الحرب، وكانوا تلك الليلة في اضطراب. وكان جماعة من الأمراء قرروا مع الأمير قانصوه، خال السلطان، أنه إذا قتل الناصر يكون هو السلطان بعده فتغافل عن هذه الواقعة حتى قتل الناصر، ولولا أنهم استمالوا خاله لما قدروا عليه ولا قتلوه.