للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفيه نزل السلطان بقبة يشبك الدوادار التي بالمطرية فأقام بها إلى آخر النهار، وعاد إلى القلعة. وكان هذا آخر ركوبه إلى جهة قبة يشبك.

وفيه عمل السلطان المولد النبوي على صاحبه أفضل الصلاة والسلام، فلم يطلع إلى القلعة من الأمراء سوى أزبك أمير كبير، وتاني بك الجمالي أمير سلاح، وبعض أمراء عشراوات، والقضاة الأربعة. ولم يطلع خاله قانصوه، ولا أحد من الأمراء، ولا حضروا المولد، ووقع في ذلك اليوم من المماليك الجلبان في حق الأمراء والفقهاء ما لا خير فيه، ورجموا الأمراء من الأطباق، وكبوا عليهم الماء المتنجس بالأوساخ، وخطفوا عمائم الفقهاء، وكان يوما مهولا. فلما انقضى يوم المولد بعث السلطان يقول لطومان باي دوادار ثاني: "اخرج في هذه الساعة على جرائد الخيل إلى جهة البحيرة بسبب فساد جويلي ومرعي". فخرج طومان باي من يومه، وأتى إلى بر الجيزة، ونصب بها خيامه.

فلما كان يوم الاثنين ثالث عشر الشهر المذكور نزل السلطان من القلعة، وتوجه إلى نحو القناطر العشر، وكان ذلك في أواخر النيل، فعدى إلى بر الجيزة وسبقه الخيام والمطبخ. وكان عنده جانب كبير من بقية احتياج المولد. فلما وصل السلطان إلى الوطاق نزل به، ولم يكن معه سوى أولاد عمه قيت، وهما جانم وجاني بك أخوه، وجماعة من الخاصكية. ولم يتوجه معه أحد من الأمراء، ولا خاله، فأرسل أحضر أبا الخير ومعه خيال الظل، وجوق مغاني العرب، وبر ابوه رئيس المحبظين، فأقام هناك ثلاثة أيام وهو في أرغد عيش. وقد خرج عن الحد في اللهو والخلاعة والانشراح. ومد هناك أسمطة حافلة وحلوى وفاكهة وغير ذلك، وأنعم على جماعة من الخاصكية بخيول وقماش ومال، وانشرح في تلك الأيام بخلاف العادة، وتلاعبت به الدنيا كما تلاعبت بأمثاله من المقدمين.

فكان كما قيل:

تزود من الدنيا فإنك لا تدري … إذا جن ليلك هل تعيش إلى الفجر

فكم من صحيح مات من غير علة … وكم من عليل عاش حينا من الدهر

وكم من فتى يمسي ويصبح آمنا … وقد نسجت أكفانه وهو لا يدري

فلما كان يوم الأربعاء خامس عشر الشهر المذكور أدركت السلطان تفرقة الجامكية، فأذن للخاصكية الذين كانوا معه أن يتقدموا قبله كي لا يزاحموه وقت التعدية … فتقدم جماعة منهم وراحوا إلى بيوتهم … فصلى السلطان العصر وركب ولم يبق معه سوى

<<  <  ج: ص:  >  >>