للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السوداء والسيف البداوي. فأفيض عليه شعار الملك، وقدمت له فرس النوبة، وركب من سلم المقعد الذي بباب السلسلة، ومشت الأمراء بين يديه، وركب الخليفة معه، وتقدم الأتابكي أزبك وحمل القبة والطير على رأسه، وكان هو أولى بالسلطنة من كل أحد، وقد فاتته عدة مرار كما قيل:

إذا رفع الزمان محل شخص … وكان سواه أولى لو تصاعد

فكم في العرس أبهى من عروس … ولكن للعروس الوقت ساعد

فلما طلع الظاهر إلى القصر جلس على سرير الملك فأول من قبل له الأرض الأتابكي أزبك، ثم بقية الأمراء شيئا فشيئا. وقيل إن الذي لقبه بالملك الظاهر هو تاني بك الجمالي أمير سلاح.

فلما جلس خلع على الخليفة ونزل إلى داره، وخلع على الأتابكي أزبك بالاستمرار في الأتابكية وخلع على طومان باي الدوادار الثاني وقرره في الدوادارية الكبرى عوضا عن نفسه. ثم دقت البشائر بالقلعة ونودي باسمه في القاهرة، وارتفعت الأصوات له بالدعاء، وفرح كل أحد من الناس بسلطنته، بغضا في الملك الناصر مما كان يفعله من الأفعال الشنيعة، فلما كان وقت صلاة الجمعة من ذلك اليوم، خطب باسم الملك الظاهر على المنابر. وجاء في حال سلطنته بأشياء على الوضع وانصلحت الأحوال في أيامه على قدر ما كان جلبا. فتولى الملك وله من العمر دون الثلاثين سنة. وكان له عقل وافر وثبات جنان. والذي وقع له لم يقع لأحد من مبتدأ دولة الأتراك إلى الآن، فإنه كان من دخوله إلى مصر وإقامته في الطبقة وحضوره من بلاد جركس وإمريته وسلطنته دون الست سنين، وهذا لم يتفق لأحد من الأتراك قبله. وكان من جملة الجمدارية في دولة الأشرف قايتباي، ثم صار في دولة الناصر كما تقدم، وكان له سعد خارق من العناية الأزلية في القدم كما قيل:

إذا خصص الرحمن عبدا بنعمة … فكل حسود بعد ذلك مقمع

فيا طالب العلياء مهلا ولا تطل … فليس بسعي المرء ما شاء يصنع

وفي حال سلطنته حضر سيف كرتباي الأحمر نائب الشام لموته، وقد مات الناصر بحسرة أن يسمع بذكر موته. ويقال إن الناصر رشا على قتل كرتباي الأحمر بألف دينار.

<<  <  ج: ص:  >  >>