ولولا الذي صرفه أزبك أمير كبير على التجاريد، وعمارة الأزبكية، ما كان ماله ينحصر وكانت تركته تعادل موجود سلار نائب السلطنة. وقد تقدم ذكر ذلك ومن أراد أن يعلم علو همة الأتابكي أزبك، فلينظر ما صنعه من عمارة الأزبكية، وقد أنشأها في سنة إحدى وثمانين وثمانمائة وقد تقدم ذكر ذلك كما يقال:
ليس الفنا بفناء يستظل به … حتى يكون له في الأرض آثار (١)
ومما عد من مساوئ أزبك أمير كبير، أنه كان شديد الخلق صعب المراس، إذا سجن أحدا لا يطلقه أبدا، وكان عنده حدة زائدة، وشح في نفسه، جريء اللسان مع تكبر وبطش.
وقد فاتته السلطنة عدة مرار فكان كما يقال:
إذا منعتك أشجار المعالي … جناها الغض فاقنع بالشميم
فلما علم السلطان بموته نزل وصلى عليه، وكان له يوم مشهود، ودفن بتربة أستاذه الملك الظاهر جقمق، فلما نزل السلطان وصلى عليه، قيل له أن الأمير أزبك اليوسفي أمير مجلس في النزع وسيموت في هذه الساعة فجلس السلطان على مدورة في سبيل المؤمنين، ينتظر أزبك اليوسفي حتى يموت ويصلي عليه، فلم يمت في تلك الساعة فقام السلطان وطلع إلى القلعة. فلما كان وقت العصر في ذلك اليوم توفي فيه الأمير أزبك اليوسفي، فهيئ وصلى عليه السلطان وطلعت جنازته من الصليبة، فلما رجعوا به توجهوا به إلى مدرسته التي أنشأها ودفن بها.
وكان أميرا جليلا دينا خيرا لين الجانب، وكان أصله من مماليك الظاهر جقمق، وكان يعرف بأزبك الخازندار وناظر الخاص … مات وهو طرخان وقد كبر سنة وشاخ وناف عن الثمانين سنة من العمر.
وكان قليل الأذى، كثير البر والصدقات، وتولى عدة وظائف سنية، منها الخازندارية الكبرى، ثم بقي مقدم ألف، ثم بقي رأس نوبة كبير، ثم بقي أمير مجلس، ثم مشير الممكلة في دولة الناصر محمد بن قايتباي، ثم أخرجت عنه التقدمة إلى أزدمر بن علي باي، فأقام على ذلك مدة يسيرة ومات.