وكان الأمير طومان باي باغيا على الأشرف جان بلاط، فكان كما يقال:
والغدر بالعهد قبيح جدا … شر الورى من ليس يرعى عهدا
فلما خرج كان صحبته من الأمراء المقدمين، وأنس باي أحد المقدمين. فكانوا بمن تقدمهم من الأمراء المقدمين أحد عشر أميرا، ومن المماليك السلطانية نحو من ألفي مملوك وزيادة، وكانت هذه التجريدة المعينة إلى قصروه نائب الشام، تعادل تجريدة ابن عثمان، وقد تقدم ذكر ذلك في دولة الملك الأشرف قايتباي.
فلما شق الأمير طومان باي من القاهرة كان له يوم مشهود، وارتفعت له الأصوات بالدعاء، وكان محبوبا للناس، ولا سيما العوام، فلهج الناس بأنه سيعود سلطانا، وكان الأمر كذلك. واستمر في ذلك الموكب حتى نزل بالريدانية في الوطاق فأقام به أياما. وقيل إن السلطان نزل إليه هناك في الخفية تحت الليل، وجلس عنده وتحدثا فيما يكون من أمر قصروه، وأنعم عليه السلطان بأشياء كثيرة، من مال وقماش وتحف حتى بأحجار حيوانية لمنع السموم القاتلة، ثم ودعه وطلع إلى القلعة، وكان يظن أن الأمير طومان باي ناصحا له، وكان الأمر بخلاف ذلك.
وفيه من الحوادث أن السلطان تغير خاطره على القاضي كاتب السر بدر الدين بن مزهر، فقبض عليه وعلى حاشيته وسجنه بالعرقانة، وضربه ضربا مبرحا غير ما مرة، وسبب ذلك أن السلطان لما صادر الناس كما تقدم، ندب القاضي بدر الدين إلى ذلك، فأظهر من الظلم والعسف والتشويش على الناس ما يطول شرحه، وأظهر النتيجة في ذلك للأشرف جان بلاط، فإنه كان صهره، فكثر الدعاء عليه وأخذه الله من الجانب الذي يأمن إليه، وكان كما يقال:
فكان كالمتمني أن يرى فلقا … من الصباح، فلما إن رآه عمى
ثم أنه قرر عليه مالا، وأقام في العرقانة حتى يورد ما قرر عليه من المال، وكان من أمره ما سنذكره في موضعه.
فلما كان يوم الخميس ثاني عشره خلع السلطان على صلاح الدين بن يحيى بن شاكر بن الجيعان، وقرره في كتابة السر، عوضا عن بدر الدين بن مزهر، بحكم صرفه عنها.
وهذه آخر ولايته لكتابة السر، فلم يعد إليها بدر الدين بعد ذلك.