وفي أثناء ذلك اليوم قبض على الأشرف جان بلاط، قيل وجد في مكان مهجور بدور الحريم، فأمسك من هناك، فلما قبضوا عليه أدخلوه إلى قاعة البحرة، وقيدوه بقيد ثقيل، ووكلوا به جماعة من الخاصكية، وفيهم شخص من مماليك أقبردي الدوادار، فحصل للأشرف جان بلاط منه غاية الضرر والبهدلة وما لا خير فيه فكان كما يقال في أمثال "الصادح والباغم":
عند تمام المرء يبدو نقصه … وربما ضر الحريص حرصه
ومنها:
كم عشت في لذة عيش وهنا … فاصبر الآن لهذي المحنا
ثم نقل الأشرف جان بلاط من البحرة إلى المبيت الذي بجوار المقعد الذي بالحوش، فأقام نحوا من ثمانية عشر يوما، وقيل كان تأخير الأشرف جان بلاط هذه المدة لأجل أن يورد ما قرره عليه العادل من المال.
فلما كان يوم الاثنين خامس رجب توجهوا بالأشرف جان بلاط إلى السجن بثغر الإسكندرية، فنزلوا به من باب الدرفيل وقت الظهر، وهو مقيد، وخلفه أوجاقي بخنجر، فتوجهوا به إلى جهة المجراة إلى البحر، فنزلوا به في الحراقة وساروا إلى الإسكندرية وكان المتسفر عليه الأمير أنس باي أحد المقدمين، والأمير قان بردي أحد الأمراء العشراوات، وجماعة من الخاصكية، فتوجهوا به إلى الإسكندرية ورجعوا.
وكانت مدة سلطنته بالديار المصرية ستة أشهر وثمانية عشر يوما، وكان في هذه المدة في غاية الضنك مع الأمير طومان باي. وآخر الأمر وثب عليه وخلعه من السلطنة، وحاصره وهو بالقلعة نحوا من سبعة أيام … فإنه دخل إلى القاهرة يوم السبت حادي عشر هذا الشهر، وهو جمادى الآخرة، وملك القلعة يوم السبت ثامن عشره. وتعب في تحصين القلعة، ونقل إليها أشياء كثيرة من كل صنف كما تقدم، وظن أن حصار القلعة يطول فما أفاده ذلك شيئا.
وكان الأشرف جان بلاط أرشل غليظ القلب، قليل الحظ، عسوفا ظالما، حصل منه في مدة سلطنته للناس غاية الضرر من المصادرات وأخذ الأموال. ولو أقام في السلطنة لحصل للناس منه غاية المشقة من الظلم والأذى … فجعل الله تعالى به ومن مساويه ما وقع له من أقبردي الدوادار، فإنه كان من أعز أصحابه، وقيل ضبط ما وهبه له أقبردي، فكان ينيف عن خمسين ألف دينار، ثم بعد هذا الإحسان انقلب عليه كأنه لم يعرفه، وكانت