وفي يوم السبت ثامن عشره وقت صلاة الفجر، نزل في القلعة جماعة من الأمراء العشراوات، منهم جان بردي الغزالي، وخاير بك الكاشف، وآخرون من الخاصكية، فتوجهوا إلى العادل، ثم أن جان بلاط رسم بتفرقة الجامكية الثانية في الاصطبل السلطاني، وحضر هناك العسكر وهم لابسون آلة الحرب … فبينما العسكر الذين بالقلعة مشغولون بنفقة الجامكية، وإذا بالقلعة قد ماجت واضطربت، وثار الجم الغفير بالرميلة من المماليك الذين من عصبة العادل، فنهبت الجامكية عن آخرها التي أنفقت بالاصطبل، وكان سبب ذلك ما استفاض بين الناس أن الملك الأشرف جان بلاط كان مقيما في مدة حصاره بالقلعة بالقصر الكبير، وعنده جماعة من المشايخ الصوفية، ومن يعرف بالصلاح. فلما ضاق الأمر على الأشرف جان بلاط قام ودخل إلى دور الحريم، فأبطأ فيه ساعة طويلة، فعمد الأمير طراباي إلى المنجاة والترس فأخذهما ونزل بهما من القلعة، وتوجه إلى العادل طومان باي، وأشاع أن الأشرف جان بلاط قد هرب من القلعة. فلما سمع بذلك الأتابكي قصروه - وكان مقيما بمدرسة السلطان حسن - حطم بمن معه من الجند فملك باب السلسلة، وسلم المدرج، من غير مانع، ولم يفد تحصين الأشرف جان بلاط شيئا، ولا بناية تلك الأبراج، ولا تركيب المكحلة الكبيرة التي يقال لها المجنونة. وكان هذا خذلانا من الله تعالى له، وقد قلت في المعنى مع التضمين:
تحصن خوفا جان بلاط بقلعة … فلم تدافع الأعداء عنه المدافع
وكانت مدافعة كفارغ بندق … خليّ من المعنى ولكن بفرقع
فلما كانت الكسرة على الأشرف جان بلاط، وقع النهب بالقلعة في الحواصل السلطانية، فنهبوا أشياء كثيرة من قماش وسلاح وخيول وغير ذلك، مما نقله الأشرف جان بلاط إلى القلعة، من أغنام وأبقار وبقسماط وسكر واحتياج المطبخ وغير ذلك.
ثم إنه في ذلك اليوم رسم العادل بالإفراج عن القاضي بدر الدين بن مزهر كاتب السر، وكان الأشرف جان بلاط سجنه بالعرقانة وقرر عليه مالا له صورة، وأقام بالعرقانة مدة طويلة فأفرج عنه ونزل إلى داره في ذلك اليوم، فلما حصلت هذه النصرة من غير قتال مهول، ركب العادل طومان باي في بيت تاني بك قرا، وعلى رأسه الصنجق السلطاني، وصعد إلى باب السلسلة من غير مانع وملكه وكان من أمر سلطنته ما سيأتي الكلام عليه في موضعه.