فلما كان يوم الاثنين ثالث عشرة اشتد الحرب بين الفريقين، ووقع بينهما واقعة مهولة بباب الوزير فجرح فيها شخص من الأمراء الطبلخانات، يقال له تمرباي الطويل استدارا الصحبة، فلما جرح أغمى عليه فسقط عن فرسه، فأخذوا لبسه وسلاحه، وحمل إلى داره فمات بعد أيام. وفي ذلك اليوم تقنطر الأمير مصرباي الدوادار بالتبانة، وأخذوا فرسه من تحته ونجا بنفسه، وهرب. وجرح في ذلك اليوم جماعة كثيرة من الفريقين. وقتل في ذلك اليوم أيضا الأمير قاني بك نائب الإسكندرية، أحد الأمراء المقدمين، قتل بكفيه، وكان من عصبة الأمير أقبردي الدوادار، وحضر إلى القاهرة صحبة قصروه نائب الشام، وكان مقيما بالشام. وقتل جماعة من الخاصكية في ذلك اليوم.
وفي يوم الأربعاء خامس عشره استمر الحرب ثائرا بين الفريقين إلى يوم الخميس سادس عشره، فأنفق العادل طومان باي على العسكر الذين من عصبته جامكية شهر
وصار الأشرف ينفق الجامكية بالقلعة على من عنده من العساكر، والعادل طومان باي ينفق الجامكية في بيت تاني بك قرا على من عنده من العسكر. فلما تلاشى أمر الأشرف جان بلاط، وترشح أمر العادل طومان باي، ولاحت عليه لوائح النصر، صار جماعة من الأمراء والعسكر يتسحبون من القلعة، وينزلون عند العادل طومان باي … فنزل إليه قانصوه الفقيه، وتمر الظاهري، وجان بلاط الأبح، وقاني بك الأبح، وغير ذلك من الأمراء والخاصكية، ثم نزل في ذلك اليوم القاضي عبد القادر القصروي، وتوجه إلى العادل فخلع عليه، وأقره في نظر الجيش، عوضا عن الشهابي أحد ناظر الجيش، وكان الأشرف جان بلاط وعد العسكر أنه ينفق عليهم مع الجامكية، فلم ينفق عليهم شيئا، فانقلبوا عليه وتسحب غالبهم، وأتوا إلى العادل فرحب بهم.
فلما كان يوم الجمعة سابع عشره خرج العادل من بيت تاني بك قرا، وهو راكب، وعليه سلاري شوح أحمر بفرو سمور، وعلى رأسه تخفيفة صغيرة، والأمراء حوله، فتوجه إلى جامع شيخو، فصلى به صلاة الجمعة، فارتفعت له الأصوات بالدعاء، وانطلقت له النساء بالزغاريت من الطيقان، وكان يوما مشهودا. فلما خطب الشرفي يحيى بن العداس، خطيب جامع شيخو، دعا في آخر الخطبة باسم الملك العادل، فهي أول خطبة خطبت باسم العادل في القاهرة قبل أن يخلع جان بلاط من السلطنة، وقد خاطر الشرفي يحيى بن العداس بنفسه في ذلك، فعد ذلك من النوادر.
فلما تسلطن العادل وتم أمره في السلطنة، كتب للشرفي يحيى بن العداس، جامكية في كل شهر ألف درهم، في نظير ذلك.