أمير آخور كبير، وقانصو الغوري رأس نوبة كبير، وقيت الرحبي حاجب الحجاب، وكان معه من النواب قصروه نائب الشام، ودولات باي نائب حلب، وبرد بك الطويل نائب طرابلس بدرا أزبك اليوسفي أمير مجلس، الذي كان بدرب ابن البابا بالقرب من الصليبة، وتوزع الأمراء والنواب الذين حضروا صحبة العادل كل واحد في مكان بالقرب من الصليبة، ثم ثار الحرب بين الفريقين وعظم الأمر جدا. وكان القائم بنصرة العادل قصروه نائب الشام، فأمر بحفر خنادق في الطرقات، ووراءها سور من الحجارة فحفروا خندقا برأس الرميلة عند سويقة ابن عبد المنعم، وخندقا عند حدرة البقر، وخندقا عند باب الوزير وخندقا برأس سوق جامع أحمد بن طولون، وخندقا عند سوق القبو عند مدرسة السلطان حسن، فكانت خمسة خنادق.
ثم إن العادل أحضر عدة أخشاب لاطات، وجزم وصواري، وأحضر جماعة نجارين، فصنعوا منها عدة طوارق وسلالم، وشرعوا في عمل مجانيق، وسدوا عدة أماكن شتى، وبنوا عليها دروبا، وصاروا يغلقونها، وظنوا أن هذه الفتنة يطول أمرها.
ففي اليوم الثالث من المحاصرة، ملك قصروه مدرسة السلطان حسن، وركب المكاحل المعمرة بالمدافع، ووقف بها، ورموا على من بالقلعة بالسبفيات، وبالبندق الرصاص، فقتل ممن كان بالقلعة جماعة كثيرة، وجرح آخرون فضعف عزمهم عن القتال، وبانت الكسرة عليهم. ولم يكن عند الأشرف جان بلاط بالقلعة سوى الأتابكي تاني بك الجمالي، والأمير طراباي، والأمير مصرباي، والأمير قانصوه البرجي، وخشكلدي البيسفي، ونائب سنباي، وآخرين من الأمراء المقدمين، وغيرهم وكان الرماة أشاعوا عن السلطان جان بلاط، لما وصل العادل إلى المطرية، أن يخرج إليه الأتابكي تاني بك الجمالي، وآخرون من الأمراء ويحاربونه، وكان هذا عين الصواب لو فعلوه. كما يقال في الأمثال:
وانتهز الفرصة أن الفرصة … تصير إن لم تنتهزها غصة
واسبق إلى الأجود سبق الناقد … فسبقك الخصم من المكايد
ثم إن العادل قصد أن يحضر جماعة من فرسان عربان الشرقية يقاتلون معه، كما فعل أقبردي الدوادار، فلم يوافقه الأمراء على ذلك، وقالوا هذا يحصل منه غاية الفساد.