للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلقبوه بالملك الأشرف، وسما في علوه وأشرف، وكنوه بأبي النصر قانصوه الغوري، وبه صارت مصر مشرفة بالنوري، وقيل:

ألا إنما الأقسام تحرم ساهرا … وآخر يأتي رزقه وهو نائم

ثم قدمت إليه فرس النوبة بالسرج الذهب والكنبوش، فركب من على سلم الحراقة التي بباب السلسلة، فتقدم قيت الرحبي وحمل القبة والطير على رأسه وقد ترشح أمره إلى الأتابكية، فركب الخليفة عن يمين السلطان، ومشت بين يديه الأمراء وهم بالشاش والقماش، حتى طلع من باب سر القصر الكبير وجلس على سرير الملك، والباقي للزوال نحو من خمس وعشرين درجة، وكان الطالع بالسرطان، فأول من قبل له الأرض قيت الرحبي ثم بقية الأمراء شيئا فشيئا، ثم خلع على الخليفة ونزل إلى داره، وخلع على مصرباي وقرره في الدوادارية الكبرى والوزارة والاستدارية - عوضا عن نفسه - فنزل إلى داره في موكب حافل.

ثم دقت له البشائر بالقلعة ونودي باسمه في القاهرة، وارتفعت الأصوات له بالأدعية الفاخرة، وزال ما كان من الشكوك والظنون، وأقرت من الناس بسلطنته العيون، فكانت سلطنته على غير القياس، وأشيع بأن بنيانه على غير أساس، فصار منه بعد ذلك الهزل جدا، ومكث في السلطنة مكثا جاوز الحد، فزال عنه الأضرار والباس، وامتلأت منه أعين الناس، فتولى الملك وله من العمر نحو من ستين سنة، ولم يظهر بلحيته الشيب حتى عد ذلك من جملة سعده.

ومن العجائب أن أرباب الملاحم قالت للعادل طومان باي: "ما يأخذ الملك منك إلا حرف القاف". .. فظن أنه "قصروه"، فقتله ظلما ولم يكن يحسب لقانصوه الغوري حسابا، فكان كما قال:

الرزق لم يزل … للمرء ملتزم

ما المن سمى … إلا لمن قسم

ومن الحوادث في يوم سلطنته أن طائفة من المماليك الجلبان توجهوا إلى بيت فخر الدين كاتب المماليك الذي في الأزبكية فأحرقوه ونهبوا ما فيه، ثم توجهوا إلى بيت شمس الدين أبي المنصور مباشر العادل فنهبوا ما فيه، ثم توجهوا إلى بيت قرقماس المقري المحتسب وبيت أزبك النصراني والي القاهرة فنهبوا ما فيهما، ثم توجهوا إلى بيت عبد العظيم الصيرفي فنهبوا ما فيه، وكذلك بيت يونس نقيب الجيش، وحصل في ذلك اليوم غاية الاضطراب ولا سيما في مثل يوم العيد.

<<  <  ج: ص:  >  >>