فقال الجازاني:"نعم أنا أحمل للسلطان هذا القدر"، فألبسه الخلعة حتى طمنه، وقد أظهر العصيان من قبل ذلك وجرى منه أمور شتى.
ثم أن أصطمر أرسل في الدس مكاتبة للشريف بركات أخي الجازاني بأن يجمع العربان ويلاقيه حتى يقبض على الجازاني، فلما أحس الجازاني بذلك تسحب تحت الليل من بطن مرو. وكان أصطمر أرشل قليل الدربة، فلما تسحب الجازاني لاقى الركب الشامي في رابغ وجرى منهم ما تقدم ذكره من قتل ونهب واسر النساء.
فلما دخل الحاج إلى مكة وبلغه ذلك، اضطربت الأحوال إلى الغاية، ووقف الحاج بالجبل، وهم على وجل من الجازاني وعرب بني إبراهيم، فلما انتهى الوقوف بالجبل وخرج الحاج من مكة قال أصطمر للشريف بركات:"اخرج معنا ولاق الجازاني".
فلما خرج الشريف بركات صحبة الحاج ووصل إلى مكان يسمى الدهنة، لاقاه أخوه الجازاني في جمع كثير من عرب بني إبراهيم، فأرسل الجازاني يقول لأصطمر:"لا تدخل بيني وبين أخي بركات ودعنا نقتتل في بعضنا وخذ أنت الحاج وامض"، فلم يسمع أصطمر منه ذلك.
ثم حضر يحيى بن سبع أمير الينبع وصار عونة مع الجازاني، فاتقعوا مع الشريف بركات، ودخل أصطمر بينهم ونادى في الركب بأن من كان معه سلاح يحضر عونة على قتال الجازاني، فاجتمع الجم الغفير من الجمالة والعكام والضوية، فكان بينهم ساعة تشيب منها النواصي. وآل الأمر إلى كسرة أصطمر أمير ركب المحمل، وقتل ممن كان معه من المماليك السلطانية نحو من مائة مملوك، غير الغلمان والطفش، وتمت الكسرة على ما كان بركب المحمل في ذلك اليوم ونهب كل ما فيه حتى عروا النساء من أثوابهن وأخذوا عصايبهن من على رؤوسهن، وقاسين من الشدة ما لا خير منه.
وتخلف غالب الحاج بالينبع وصاروا ينزلون في مراكب من البحر الملح ويدخلون إلى القاهرة بعد مدة طويلة وهم في أنحس حال، وقاسوا في هذه السنة غاية المشقة وجرى عليهم كل سوء … وقيل إن الجازاني لم يفحش في حق من بالركب الأول كما فعل بمن في ركب المحمل. وقد راعى الناصري محمد بن خاص بك دون أصطمر وكان متأثرا من أصطمر. فلما جرى ذلك رجع الشريف بركات إلى مكة وهو مهزوم من أخيه الجازاني، فلما رجع من بقي من الحجاج إلى الأزلم، وجدوا الآبار قد ردمت بالحجارة فمات من الحجاج جماعة كثيرة بالعطش.