أظهر العصيان وخرج عن الطاعة، والتف عليه يحيى ابن سبع أمير الينبع، ومالك بن رومي أمير خليص، وطائفة من عرب الحجاز يقال لهم بني إبراهيم، قد خرجوا على ركب الحاج الشامي في رابغ قبل أن يدخلوا إلى مكة فنهبوا الركب عن آخره، وقتلوا الرجال، وأسروا النساء، وفعلوا بهم ما لا فعله تمرلنك لما دخل إلى الشام. فلما جاءت هذه الأخبار إلى القاهرة، اضطربت أحوال الناس لهذه الأخبار، ثم انقطعت أخبار الحاج مدة طويلة لم يأت من عندهم خبر.
وفي يوم الخميس ثالث عشرينه - الموافق لرابع مسري - زاد الله في النيل المبارك أربعين أصبعا في يوم واحد.
وفي يوم الجمعة خامس مسري زاد الله في النيل المبارك عشرين أصبعا.
ثم أوفي في يوم الأحد ثامن مسري وزاد عن الوفاء إحدى عشرة أصبعا، فكان فتح السد في يوم الاثنين تاسع مسري - الموافق لسابع عشرين المحرم - وهو سابق النيل الماضي بيوم واحد والفضل بينهما سبع عشرة أصبعا عن النيل الماضي، فكان كما قيل:
النيل قال وقوله … إذ قال ملء مسامعي
في غيض من طلب الغلا … عم البلاد منافعي
وعيونهم بعد الوفا … قلعتها بأصابعي
فلما أوفي توجه الأتابكي قيت الرجبي، وفتح السد على العادة، وكان يوما مشهودا.
*****
وفي صفر في مستهله نزل الحاج إلى البركة على حين غفلة. ثم في يوم السبت ثانيه، دخل المحمل إلى القاهرة، وكان أمير ركب المحمل أصطمر بن ولي الدين أمير مجلس، وبالركب الأول الناصري محمد بن خاص بك، ودخل الحاج وهو في غاية النكد بسبب ما جرى على الناس في طريق الحجاز.
وكان من ملخص واقعة الحجاج - وهو ما استفاض بين الناس - أن أصطمر أمير الحاج لما وصل إلى بطن مرو قبل أن يدخل إلى مكة، لاقاه الجازاني من هناك، فأحضر إليه أصطمر خلعة وقال له:"إن كنت تستقر أمير مكة احمل للسلطان خمسين ألف دينار".