وقد وضَّح أبو عبد الله ابن قيم الجوزية الحكمة من هذا الاستثناء؛ في كلام له طويل، رأيت نقله بطوله لما فيه من الفائدة، حيث يقول رحمه الله: «والعقل فارق غيره من الحقوق في أسباب اقتضت اختصاصه بالحكم، وذلك أن دية المقتول مال كثير، والعاقلة إنما تحمل الخطأ، ولا تحمل العمد بالاتفاق، ولا شبهه على الصحيح، والخطأ يُعذر فيه الإنسان، فإيجاب الدية في ماله فيه ضرر عظيم عليه من غير ذنب تعمده، وإهدار دم المقتول من غير ضمان بالكلية فيه إضرار بأولاده وورثته، فلا بد من إيجاب بدله، فكان من محاسن الشريعة وقيامها بمصالح العباد أنْ أوجب بدله على من عليه موالاة القاتل ونصرته، فأوجب عليهم إعانته على ذلك، وهذا كإيجاب النفقات على الأقارب وكسوتهم، وكذا مسكنهم وإعفافهم إذا طلبوا النكاح، وكإيجاب فكاك الأسير من بلد العدوّ، فإن هذا أسيف بالدية التي لم يتعمد سبب وجوبها ولا وجبت باختيار مستحقها كالقرض والبيع، وليست قليلة، فالقاتل في الغالب لا يقدر على حملها، وهذا بخلاف العمد؛ فإن الجاني ظالم مستحق للعقوبة ليس أهلا أن يحمل عنه بدل القتل، وبخلاف شبه العمد؛ لأنه قاصد للجناية متعمد لها فهو آثم معتد، وبخلاف بدل المتلف من الأموال، فإنه قليل في الغالب لا يكاد المتلف يعجز عن حمله، وشأن النفوس غير شأن الأموال، ولهذا لا تحمل العاقلة ما دون الثلث عند الإمام أحمد ومالك؛ لقلته واحتمال الجاني حمله، وعند أبي حنيفة لا تحمل ما دون أقل المقدر كأرش الموضحة وتحمل ما فوقه، وعند الشافعي تحمل القليل والكثير طردا للقياس، وظهر بهذا كونها لا تحمل العبد، فإنه سلعة من السلع ومال من