للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فتبين أن إيجاب الدية على العاقلة من جنس ما أوجبه الشارع من الإحسان إلى المحتاجين كأبناء السبيل والفقراء والمساكين.

وهذا من تمام الحكمة التي بها قيام مصلحة العالم؛ فإن الله سبحانه قسم خلقه إلى غني وفقير، ولا تتم مصالحهم إلا بسدّ خَلّة الفقير؛ فأوجب سبحانه في فضول أموال الأغنياء ما يسد به خلة الفقراء، وحرم الربا الذي يضر بالمحتاج؛ فكان أمره بالصدقة ونهيه عن الربا أخوين شقيقين؛ ولهذا جمع الله بينهما في قوله: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} (١) وقوله: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ} (٢) وذكر الله سبحانه أحكام الناس في الأموال في آخر سورة البقرة، وهي ثلاثة: عدل، وظلم، وفضل، فالعدل البيع، والظلم الربا، والفضل الصدقة، فمدح المتصدقين وذكر ثوابهم، وذم المرابين وذكر عقابهم، وأباح البيع والتداين إلى أجل مسمى.

والمقصود أن حمل الدية من جنس ما أوجبه من الحقوق لبعض العباد على بعض، كحق المملوك والزوجة والأقارب والضيف، ليست من باب عقوبة الإنسان بجناية غيره، فهذا لون وذاك لون، والله الموفق» (٣).


(١) سورة البقرة، الآية [٢٧٦].
(٢) سورة الروم، الآية [٣٩].
(٣) إعلام الموقعين (٢/ ١٧ - ١٨). وانظر: أحكام القرآن للجصاص (٢/ ٢٢٤)، الجامع لأحكام القرآن (٥/ ٢٠٣)، مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (٢٠/ ٥٥٢ - ٥٥٤)، المحلى (١١/ ٢٦٠ - ٢٦١).

<<  <   >  >>