للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا الرأي وإن كان قد أبعد البنك الإسلامي عن الربا، إلا أنه قرنه بالبنوك الربوية في تحديد الأجر، وهذه البنوك لا تنظر إلى الوكالة وحدها، وإنما تنظر أساسا إلى الكفالة، فعندما يودع العميل لديها ما يغطي خطاب الضمان تأخذ منه أجرا يسيرا، بل قد لا تأخذ منه أي أجر لأنها تستفيد من المبلغ المودع لديها. أما إذا كان الخطاب غير مغطى فإنها تحسب العمولة على أساس قيمة الكفالة ومدتها، فتأخذ نسبة مئوية تبعا لمبلغ الكفالة ومدتها.

فهذا الرأي كسابقه نظر إلى الكفالة ذاتها في تحديد العمولة، غير أنه أكثر مخالفة حيث لم يكتف بالنظر إلى المبلغ غير المغطى، بل نظر كذلك إلى مدة ضمانه.

هل من ضابط؟

لقد سعدت بقرار مجلسكم الموقر بحث هذا الموضوع، وأحب أن أضع ما يلي أمام السادة الفقهاء الأجلاء المشاركين في هذا المؤتمر:

أولا: الكفالة تبرع ابتداء وانتهاء حين لا يرجع الكفيل على المكفول بما أدى عنه، وقد تكون تبرعا ابتداء ومعاوضة انتهاء إذا رجع على الكفيل، فتكون هنا مثل القرض. والحالة الأولى التي كانت شائعة في المجتمع المسلم، مجتمع التكافل، لا ينطبق عليها خطاب الضمان، وإنما ينطبق على الحالة الأخرى الشبيهة بالقرض، حيث يعود المصرف على المكفول بما أدى عنه:

ولا خلاف بين الأئمة في أن الكفالة لا تجوز بجعل فضلا عن الأجر.

والخروج عن هذا الإجماع قد لا يجد ما يبرره.

ثانيا: قال شيخ الإسلام ابن تيمية:

الآية المشهورة التي يحتج بها على الإجماع قوله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى} . (١١٥: سورة النساء) .

وذكر الآراء المختلفة دلالة الآية الكريمة، ثم قال: " ومن شاقه فقد اتبع غير سبيلهم، وهذا ظاهر، ومن اتبع غير سبيلهم فقد شاقه أيضا، فإنه قد جعل له مدخلا في الوعيد، فدل على أنه وصف مؤثر في الذم، فمن خرج عن إجماعهم فقد اتبع غير سبيلهم قطعا، والآية توجب ذم ذلك.

وإذا قيل: هي إنما ذمته مع مشاقة الرسول، قلنا لأنهما متلازمان، وذلك أن كل ما أجمع عليه المسلمون فإنه يكون منصوصا عن الرسول، فالمخالف لهم مخالف للرسول، كما أن المخالف للرسول مخالف لله، ولكن هذا يقتضى أن كل ما أجمع عليه قد بينه الرسول، وهذا هو الصواب، فلا يوجد قط مسألة مجمع عليها إلا وفيها بيان من الرسول، ولكن قد يخفي ذلك على بعض الناس ويعلم الإجماع فيستدل به ... ".

ثم قال: " لا يوجد مسألة يتفق الإجماع عليها إلا وفيها نص، وقد كان بعض الناس يذكر مسائل فيها إجماع بلا نص كالمضاربة وليس كذلك.. ".

<<  <  ج: ص:  >  >>