للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سد الذرائع

إعداد

الدكتور أحمد محمد المقري

مدير المجمع الفقهي الإسلامي

برابطة العالم الإسلامي

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين والصلاة والسلام على سيدنا محمد

الأمين القائل: ((من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين)) وعلى آله وصحبه أجمعين وعلى التابعين ومن تبعهم وسار على منهجهم إلى يوم الدين.

وبعد: فإن الفقه الإسلامي بأصوله وقواعده وفروعه من العلوم الجليلة التي كانت ولا تزال ذخرا ثمينا ومصدرا عظيما ثرًا يرجع إليه العلماء على اختلاف تخصصاتهم فضلا عن الفقهاء أصحاب الشأن فيه ولقد ظل هذا الفن المستنبط من المصادر الرئيسية للتشريع وهي الكتاب والسنة والإجماع والقياس معينا يستقي منه الباحثون من طلبة العلم والمعرفة ويجدون بغيتهم فيه طوال القرون الماضية وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

ولا يخفى أن هذه الأصول الأربعة متفق عليها بين الأئمة الأعلام غير أنهم اختلفوا في بعض الأصول التابعة كقول الصحابي وإجماع أهل المدينة والمصالح المرسلة وسد الذرائع والاستحسان فمنهم من أخذ بالاستحسان وتوسع فيه وهم الأحناف ومنهم من أخذ بالمصالح المرسلة وسد الذرائع وتوسع فيهما وهم المالكية ومنهم من أخذ من ذلك بحذر وهم الحنابلة ومنهم من أعرض عن الجميع وهم الشافعية عدا قول الصحابي إذا لم يعرف له مخالف.

ولما كان التشريع الإسلامي جاء لتحقيق مقاصد الشريعة الخاصة والعامة وكان الهدف هو رعاية المصالح التي قصدها الشارع ودرء المفاسد التي نهى عنها الشارع كان على الفقيه تلمس المصلحة حيث كانت ثم بيان الأصل المعتمد الذي تتحقق المصلحة بمقتضاه.

ولذا فقد رأى الإمام مالك رحمه الله أن سد الذرائع أصل يعتمد عليه في تحقيق المصالح ودرء المفاسد.

وعليه فمبدأ سد الذرائع عند المالكية أصبح أصلا يعول عليه في كثير من المسائل لتحقيق المصالح الخاصة أو العامة وتوسعوا في ذلك توسعا كبيرا كما أن الحنابلة أخذوا من هذا الأصل بطرف ولم يوغلوا فيه وخالفهم الشافعية والحنفية فأنكروا عليهم القول بسد الذرائع ولكنهم قالوا بتحريم الوسائل المفضية إلى المحرمات لأنها مستلزمة للمتوسل إليه وتحريم الوسائل بهذا المعنى قائم على أساس يقرب من اليقين بينما القول بسد الذرائع قائم في أغلب صوره على الظن والتوهم والتخمين.

مثاله: حفر بئر في طريق المسلمين أو إلقاء السم في الأطعمة وسب أصنام المشركين كل هذه وسائل متيقن استلزامها للمتوسل إليه وهو وقوع المارة في البئر وهلاك من أكل من الطعام المسموم وسب المشركين للذات العلية وهذه كلها محرمة بالإجماع.

وحينما طلب مني الكتابة في أحد الموضوعات التي طرحتها الأمانة العامة للمجمع الفقهي الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي بجدة اخترت موضوع (سد الذرائع) وكنت أعلم أن المالكية لهم اليد الطولى في تحرير هذا الأصل وتطبيقه على الكثير من المسائل الفقهية كما كنت أعلم أيضا أن الشافعية والحنفية لا يقولون به لذلك أردت الإسهام بهذا البحث المختصر جدا لبيان أوجه الخلاف بين الأئمة حول هذا الموضوع مع بيان الأدلة التي اعتمد عليها القائلون به والمانعون منه.

أرجو الله تعالى التوفيق والسداد وهو حسبي ونعم الوكيل.

<<  <  ج: ص:  >  >>