الحمد لله رب العالمين. والصلاة والسلام على رسوله الكريم، وعلى آله وأصحابه أجمعين، وعلى كل من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد: فإن الودائع المصرفية أصبحت اليوم من أعظم ما يحتاج إليه الإنسان في تصرفاته المالية في كل بلد وقطر، ويتعلق بها كثير من الأحكام الشرعية التي لا بد من دراستها والبت فيها. وإنها وإن كانت ظاهرة جديدة من الظواهر التي أحدثها العالم المعاصر، ولكن الأحكام الشرعية المتعلقة بها يمكن استخراجها في ضوء المبادئ التي قررها القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، والتي فصلها فقهاء الأمة في كتبهم الفقهية. فنريد في هذا البحث أن نوضح الأحكام الشرعية المتعلقة بالودائع المصرفية، والله سبحانه هو الموفق والمعين.
معنى الوديعة المصرفية:
إن كلمة (الوديعة المصرفية) مترجمة من الكلمة الإنكليزية:Deposite Bank والمقصود منها (المال الذي أودعه صاحبه في مصرف من المصارف المالية، إما لمدة محددة، أو بتعاهد من الفريقين بأن للمالك أن يستعيده كله أو جزءا منه متى شاء) .
والمعمول به في المصارف المعاصرة أن هذه الودائع لا تبقى عند المصرف كما هي، وإنما يختلط بعضها ببعض، ويستثمرها المصرف في تمويلات يقدمها إلى عملائه، ويطالبهم على ذلك بفائدة أو ربح، وإنها تكون مضمونة على المصرف، يلتزم المصرف بإعادتها إلى المالك في كل حال حسب الشروط المتفق عليها.
وبهذا يتضح أن كلمة (الوديعة) المستعملة لهذا النوع من الأموال ليست في معناها الفقهي المصطلح، فإن الوديعة تبقى عند المودع كما هي، ولا تكون مضمونة عليه إلا عند التعدي. ولكن هذه الكلمة إنما استعملت لها في معناها اللغوي، فإنها فعلية من (ودع يدع) بمعنى أنها متروكة عند المودع. (١) وهو المصرف ههنا بغض النظر عن كونها أمانة أو مضمونة.
(١) راجع المغني لابن قدامة ٧/٢٨٠ دار الكتاب العربي، بيروت ١٣٩٢هـ.