الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا وشفيعنا ومولانا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. أما بعد:
تقديم:
فقد أرسل الله تعالى الإنسان إلى الأرض، وخلق له ما في الأرض جميعًا، وأباح له تملك الأشياء بأسباب شتى شرعها الله تعالى من البيع والشراء والهبة والميراث والوصية وما إليها. وكان البيع والشراء من أهم أسباب التملك وأوسعها نطاقًا، وأكثرها وقوعًا، لا غنى للإنسان عنهما، فالحياة تدور بهما، وبهما تتم. ولذلك أباح الله تعالى البيع وأعلن بذلك في كتابه المبين، فقال:{وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا}[البقرة: ٢٧٥] .
للبيع صور شتى، وأقسام متنوعة تسمى بأسماء مختلفة، تختلف أحكامها من الصحة والفساد، والإباحة والحرمة وما إليها في ضوء الشريعة الإسلامية.
ومن أقسام البيع، قسم حادث من البيوع يسمى ((بيع الوفاء)) وهو بيع استحدث بعد القرون الأربعة، لم يرد فيها نص صريح في القرآن والسنة بإباحته أو حرمته. ولذلك اختلفت فيه آراء الفقهاء رحمهم الله، وهو الذي نحن بصدد تحقيقه.
وقبل أن نخوض في بيان حكمه وآراء الفقهاء في ذلك نريد أن نبين أولًا تعريفه بما يوضح صورته، وأساميه المختلفة، ثم بيان حكمه واختلاف الفقهاء في ذلك.
وجدير بالذكر أن سادة الفقهاء الحنفية المتأخرين رحمهم الله أكثروا من ذكره في كتبهم وفتاواهم، بعنوان واضح، وعبارات طويلة، بينما لم نجد عند غير الحنفية ذكر بيع الوفاء بعنوان واضح، إلا أن المالكية رحمهم الله ذكروه باسم ((بيع الثنيا)) كما سنذكره إن شاء الله تعالى. ولذلك نبدأ بموقف الأحناف في ذلك ثم المالكية ثم الشافعية والحنابلة. ونسأل الله تعالى أن يوفقنا للسداد، ويرينا الحق حقًّا ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلًا ويرزقنا اجتنابه. إنه الموفق للحق والسداد.