للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أصول العلاقات الدولية

بين الإسلام والتشريعات الوضعية

إعداد

الدكتور محمد الدسوقي

أستاذ الفقه والأصول بكلية الشريعة

جامعة قطر

بسم الله الرحمن الرحيم

تمهيد:

يختلف الإسلام عن سائر الأديان السماوية بأنه دعوة عالمية، بُعث بها محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ لإخراج الناس من الظلمات إلى النور.

وقد وردت في الكتاب العزيز آيات كثيرة، ونقل الرواة الثقات أحاديث عدة، وكل هذه الأحاديث وتلك الآيات بيان صريح عن عالمية الإسلام، وأنه رسالة عامة خالدة، جاءت لتخاطب في الإنسان فطرة الله التي فطر الناس عليها، ومن ثَمَّ كانت صالحة للتطبيق الدائم إلى يوم الدين.

وفضلًا عما ورد في القرآن الكريم من آيات تتحدث عن عالمية الإسلام وأيضًا عما اشتملت عليه كتب السنة من أحاديث تبين أن محمدًا ـ صلى الله عليه وسلم ـ خاتم النبيين، ورحمة الله للعالمين، فإن هناك مسألتين تؤكدان عموم رسالة الإسلام، وأنها آخر الرسالات الإلهية، وهما:

أولًا: طبيعة المعجزة التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم.

ثانيًا: تعاليم الإسلام.

أما المسألة الأولى فإن معجزة محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ التي تحدى بها العرب هي القرآن الكريم، وقد اقتضت مشيئة الله أن يكون لكل نبي معجزة تثبت أنه رسول الله صادق فيما يدعو إليه، وليس دَعِيًّا أو متنبئًا، وكانت معجزات الأنبياء الذين بعثوا قبل محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ حسية مادية، كما أنها معجزات شخصية بمعنى أن وجودها وبقاءها مرتبطة بشخصية الرسول، فإذا توفاه الله أصبحت هذه المعجزة خبرًا يروى، وأثرًا ينقل كمعجزات عيسى وموسى وإبراهيم وغيرهم من الأنبياء عليهم جميعًا صلوات الله وسلامه، ولكن معجزة القرآن ليست كذلك، فهي عقلية غير حسية، وهي أيضًا غير شخصية , فهي باقية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، والناس بعد محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ يرون معجزته كمن شاهدوا محمدًا وخاطبوه. (١) فهي من ثم معجزة الدهر وصوت الحق إلى الخلق، حتى يقوم الناس لرب العالمين.

وتؤكد تعاليم الإسلام عالمية هذا الدين، فهذه التعاليم تخاطب الفترة الإنسانية، وتنظر إلى الإنسان نظرة واقعية، وتحترم العقل البشري، وتسوي بين الناس كافة في الحقوق والواجبات، لهذا لا تعرف الإقليمية أو العنصرية، فهي إنسانية عامة، تلبي حاجة كل المجتمعات على اختلاف الأزمان والبلدان.


(١) انظر القرآن المعجزة الكبرى، للشيخ محمد أبو زهرة: ص ١٥، طبعة دار الفكر العربي، القاهرة

<<  <  ج: ص:  >  >>