للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الغزو الفكرى

فى التصور الإسلامى

إعداد

الدكتور أحمد عبد الرحيم السايح

بسم الله الرحمن الرحيم

مصطلح الغزو الفكرى:

بداية نقف عند مصطلح (الغزو الفكرى) الذي يتردد في هذا العصر كثيرًا على ألسنة الباحثين والكاتبين والمتحدثين.

وإن وقفة إستقرائية تكشف في وضوح أن هذا المصطلح لم يسمع به قبل القرن الرابع عشر الهجرى (القرن العشرين الميلادى) .

ولكن ليس معنى عدم وجود المصطلح أو عدم استخدام المصطلح قبل القرن الرابع عشر الهجرى أن معنى الغزو الفكرى ومفهومه وموضوعه لم يكن موجودًا، لأن المستقرئ لأحوال الأمم والشعوب يجد أن مفهوم (الغزو الفكرى) كان موجودًا في القديم، وفى الحديث..

وكلمة: (الغزو) في اللغة العربية، تعطى معنى: القصد والطلب والسير إلى قتال الأعداء في ديارهم وانتهابهم وقهرهم والتغلب عليهم.

ومصطلح (الغزو الفكرى) قصد به: إغارة الأعداء على أمة من الأمم بأسلحة معينة وأساليب مختلفة لتدمير قواها الداخلية وعزائمها ومقوماتها.

وإنتهاب كل ما تملك (١) .

والفرق بين (الغزو الفكرى) ، (والغزو العسكرى) : أن الغزو العسكرى يأتى للقهر، وتحقيق أهداف استعمارية، دون رغبة الشعوب المستعمرة, أما الغزو الفكرى فهو لتصفية العقول والأفهام لتكون تابعه للغازى (٢) .

وقد يكون الغزو الفكرى أشد وأقسى لأن الأمة المهزومة فكريًّا تسير إلى غازيها عن طواعية، وإلى جزارها عن رضا وإقتناع وحب، لا تحاول التمرد أو الخلاص.

وبهذا يظهر ما بين المصطلح واللغة من صلة، حيث إن كلمة الغزو، استعلمت في معناها، وهى الإغارة على أمة من الأمم للاعتداء عليها وانتهابها، ولكن عن طريق الفكر، وتدمير القوى المفكرة فيها، وهذا ما لفتت إليه كلمته: (الفكر) ، التي يطابق معناها في العربية معناها في المصطلح (٣) .

ويمكن أن يقال: إن المصطلح استعار كلمة (الغزو) للفكر، لما بينها وبين الغزو في الحرب من علاقة في نهب الشعوب وتدميرها والسيطرة عليها.

ويمكن أن يقال: إن مصطلح (الغزو) مجاز على التشبيه بالحرب الفعلية في التدمير والتخريب والانتهاب والسيطرة على الشعوب ... لهذا شاع استعمال هذا المصطلح وأضرابه من المصطلحات التي تدل على هذا المعنى وتسير في فلكه (٤)

ومما يسترعى الانتباه أن بعض العلماء والباحثين ينكرون ويستنكرون وجود (الغزو الفكرى) . معتبرين الحديث عنه مجرد (وهم) من الأوهام.

وهؤلاء العلماء إنما ينطلقون من تصورهم لعالم اليوم، باعتباره – رغم الحدود الدولية السياسية، والحواجز الجغرافية – وبسبب من التقدم الهائل في ثمرات (ثورة الاتصال) ينطلقون من تصورهم لعالم اليوم باعتباره (وطنًا واحدًا) ، لحضارة واحدة، يسمونها: (حضارة العصر) أو (الحضارة العالمية) أو (الحضارة الإنسانية) ويتصورون الأمم والشعوب والقوميات مجرد درجات ومستويات في البناء الواحد لهذه الحضارة الواحدة.

ومن ثم فليس في هذا التصور حدود – لها حرمة الحدود – تميز (أوطانا) متعددة، لحضارات متميزة ... ولهذا فإن عبور الفكر – كل الفكر – للحدود – كل الحدود – ليس فيه عندهم شبهة (غزو) ولا أثر (عدوان) (٥)

وهذا التصور يُروَّجُ له بشتى الأساليب، فثمت دعوة إلى (فكر عالمى) وهناك دعوة إلى أن الحضارة الحديثة (حضارة عالمية) وهناك دعوة إلى (ثقافة عالمية) .


(١) انظر: الدكتور توفيق الواعى، الحضارة الإسلامية مقارنة بالحضارة الغربية: ص ٦٨٠، طبعة دار الوفاء، المنصورة، ١٤٠٨هـ، القاهرة
(٢) المصدر السابق: ص ٦٨٠، بتصرف
(٣) الدكتور توفيق الواعى، الحضارة الإسلامية مقارنة بالحضارة الغربية: ص ٦٨١، بتصرف وإضافة
(٤) انظر: الدكتور توفيق الواعى، الحضارة الإسلامية مقارنة بالحضارة الغربية: ص ٦٨١ مع تصرف يسير
(٥) الدكتور محمد عمارة، الغزو الفكرى، وهم أم حقيقة: ص٦، طبعة الأمانة العامة للجنة العليا للدعوة الإسلامية، بالأزهر الشريف، ١٩٨٨م

<<  <  ج: ص:  >  >>