للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حكم التداوي في الإسلام

إعداد

الدكتور علي محمد يوسف المحمدي

المدرس بقسم الفقه والأصول

كلية الشريعة والدراسات الإسلامية

جامعة قطر

بسم الله الرحمن الرحيم

لقد اهتم الإسلام بصحة المسلم اهتمامًا منقطع النظير، وظهر هذا الاهتمام في نواح شتى، فمثلًا: في الصلاة يبدأ بالطهارة التي يغسل فيها كل يوم خمس مرات الأعضاء التي تتعرض للأتربة والعرق، كما جعل من شروط صحتها نظافة الثوب والبدن والمكان فقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} (١) .

وفي الصحيح ((الطهور شطر الإيمان)) (٢) . ولما كان الفم ممر العبور إلى البدن أوصى بنظافته فقال: ((السواك مطهرة للفم مرضاة للرب)) (٣) . وأوصى بإزالة ما يساعد على تراكم الأوساخ على الجسم فقال: ((خمس من الفطرة: الاستحداد والختان وقص الشارب ونتف الإبط وتقليم الأظافر)) (٤) . كما دعا إلى تقوية الأبدان بالرياضة والعمل، وحذر من الكسل وأنكر على من حرم على نفسه الاستفادة من الطيبات، سواء كان تدينًا أو شحًّا، فقال: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} (٥) .

وفي مقابل ذلك حماه من الشره والإسراف في أنواع الملذات خوفًا من الإضرار بالبدن، فقال: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} (٦) .

كما نهى عن إرهاق البدن، ودعا إلى الاعتدال، وقال: ((أنا أعلمكم بالله وأتقاكم له، ولكني أقوم وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني)) (٧) . واعتنى بالرياضة، ومن صورها الصلاة التي تؤدى أركانها بأوضاع صحيحة تقي الجسم من المعصية الضارة بقوام الإنسان، إضافة إلى كونها عبادة خالصة لله تعالى.

كما اعتنى الإسلام بالصحة النفسية، لأن الإنسان في الإسلام روح وجسد، وأن كليهما يؤثر في الآخر قوة وضعفًا، وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذه القوة الروحية في قوله لعمار حينما كان يحمل حجرين عند بناء مسجده صلى الله عليه وسلم قال له: ((إن عمارًا مليء إيمانًا من قرنه إلى قدمه)) (٨) . وبهذه القوة الروحية كان النبي صلى الله عليه وسلم يواصل (٩) الصوم أيامًا عديدة (١٠) .


(١) سورة البقرة: الآية ٢٢٢.
(٢) رواه مسلم، انظر صحيح مسلم: ١/٢٠٣، كتاب الطهارة.
(٣) رواه البخاري في صحيحه تعليقًا، انظر فتح الباري: ٤/١٥٨؛ ورواه أحمد: ١/٣، ٤٧، ٦٢، ١٤٦؛ وابن ماجه: ١/١٠٦، ويراجع مجمع الزوائد: ١/٢٢٠.
(٤) رواه البخاري، انظر فتح الباري: ١٠/٣٣٤؛ ومسلم: ١/٢٢١.
(٥) سورة الأعراف: الآية ٣٢.
(٦) سورة الأعراف: الآية ٣١.
(٧) رواه البخاري، انظر فتح الباري: ٩/١٠٤؛ وصحيح مسلم: ٢/١٠٢.
(٨) قال في مجمع الزوائد: ٩/٢٩٥، رواه البزاز ورجاله الصحاح، وتراجع الإصابة: ٢/٥١٢.
(٩) متفق عليه، انظر جامع الأصول: ٦/٣٧٩.
(١٠) بتصرف، من كتاب شيخنا الدكتور القرضاوي (فتاوى معاصرة ٥٨٧ - ٥٩٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>