فيما يتعلق بزكاة الديون نذكر هنا ما أشار إليه الإمام شمس الدين السرخسي في المبسوط الجزء الثاني ص ١٩٥: من أن الديون على ثلاث مراتب عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى: دين قوي، ودين ضعيف، ودين متوسط. ومثل لكل منها منبهًا على أن القوي لا يلزم صاحبه الأداء ما لم يقبض أربعين درهمًا وأن المتوسط لا يلزم صاحبه الأداء ما لم يقبض مائة درهم فحينئذ يؤدي خمسة دراهم وأن الضعيف لا يلزم صاحبه الزكاة ما لم يقبض ويحول الحول على ما قبضه. قال وعند الصاحبين: الديون كلها سواء لا تجب فيها الزكاة قبل القبض وكلما قبض شيئًا لزمه الأداء بقدره قل أو كثر.
وفي البدائع جـ ٢ ص ١٠: وجملة الكلام في الديون أنها على ثلاث مراتب في قول أبي حنيفة: قوي وضعيف ووسط، فالقوي فيه الزكاة، والضعيف لا زكاة فيه حتى يقبض كله ويحول عليه الحول بعد القبض. وفي الوسط روايتان عن الإمام: إحداهما تجب فيه الزكاة ولا يؤديها إلا بعد قبضه لما يكون نصابًا منه فإذا قبض زكى لما مضى. والثانية أنه لا زكاة فيه إلا بعد قبضه وحولان الحول عليه بعد قبضه وهي أصح الروايتين عنه. والصاحبان يقولان: كلها قوية تجب الزكاة فيها قبل القبض.
وقد يقال إن الدين مال في الذمة وما كان كذلك فاحتمال عدم قبضه قائم لأنه ليس بعين ومن ثم لا تجب زكاته لنقصان الملك فيه بفوات اليد كما لا يجب زكاة الدين إذا جحده المدين. هذا إلى ما يعرف من أحوال الناس ومطل الغني. فكيف بمن دونه وهذا يرجح عند الاختيار أن يختار القول بأن الديون كلها سواء وأنها لا تزكى إلا بعد القبض. ولا نجمع على المكلف غبنين: غبن دفع الزكاة وغبن تعرض ماله الذي هو دين له عند فلان أو فلان للضياع، وهو أمر محتمل فيما بين الناس.
وفي المجموع شرح المهذب للإمام النووي. قال: جـ ٦ ص ٢٠