للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أطفال الأنابيب

فضيلة الشيخ عبد الله البسام

وبعد: فهذه مقدمة أمام البحث استقيتها من كلام علماء العصر الذين أدركوا الاكتشافات العلمية الحديثة في الطب والرياضة والفلك وطبقات الأرض وأغوار البحار والفضاء وغيرها وصار لهم حظ وافر وإدراك واسع وفكر حر في العلوم الدينية التي أولها التفقه بكتاب الله تعالى حتى استطاعوا أن يطبقوا ثمرات العلم الحديثة على ما تشير إليه الآيات الكريمة ليظهر إعجاز القرآن الكريم ويتحقق بيقين أنه تنزل من لدن حكيم خبير وأنه الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد.

فقد كان المعروف في العصور الغابرة والأديان السابقة أن العلم والدين لا ينسجمان بل بينهما حرب عوان شهدتها القرون الوسطى بين رجال العلم والبحث وبين رجال الكنائس، فهؤلاء رأوا الدين أسطورة من الأساطير وطقوسًا شلت حركة العلم وحدت من حريته وصارت أمرًا لا استفادة منه.

أما رجال الكنيسة فقد اعتبروا هذه العلوم الكونية والطبيعية ضلالة وإلحادًا واستغلوا الدين لتجميد العلم وإخضاعه وحصره بما سطر في كتب القدامى التي أكتسبها طول الزمان قداسة وحرمة وجعلوا في معرفة القوى الكونية الخفية بابًا من أبواب السحر وخدمة تقدمها الشياطين لإخوانهم من الإنس.

ولذا فروا رجال العلم وحاكموهم وعذبوهم ثم استتابوهم هذا والعلم في ازدياد ولم يقف أمام هذا الظلم والجور فلم يمض زمن طويل حتى عادت الكرة للعلم وأخذ في التطور والظهور.

أما الدين فأخذ في الانكماش والضمور، فثار العلم ثورة حطم فيها أبواب السجون وانتقم من الدين وتنكر له وتجاهل دوره واعتبره سدًا يمنع التقدم وقيدًا يحد من الانطلاق.

وهذا العداء بين الدين والعلم والصراع بين رجال الدين ورجال العلم إذا وجد بين العلم وجوهر تلك الأديان فإنه لا يوجد –إطلاقًا- بين جوهر الإسلام وحقيقته وبين العلم.

ذلك أن كتاب الإسلام وهو –القرآن- وجه الأنظار إلى الكون وما فيه من عجيب الصنع وبديع التركيب.

كما أنه عرض لكثير من الحقائق الكونية بأسلوبه الإشاري وطريقته الرمزية التي تومض في العقل بنور روحي باهر إلا أنها كانت خفية كامنة أثناء طفولة العلم وعدم تحديد قوانين الكون، فلم يدرك معناها ولم يفهم حقائقها وأسرارها وقت نزولها إلا أنه جل وعلا عليم بما سيكشفه المستقبل لبيان هذه الآيات ومصداق ذلك قوله تعالى:

{سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} .

<<  <  ج: ص:  >  >>