الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحابته أجمعين.
أما بعد؛ فإن الله جلت قدرته لم يخلق الإنسان عبثاً، ولم يتركه سدى، ولم يحوجه سبحانه في معرفة مصالحه الدنيوية والأخروية إلى عقله القاصر، ولا إلى متاهات البشر، أو القوانين الوضعية التي صاغتها أفكار وعقول لا تعلم بواطن الأمور ولا خفاياتها، ولا الأحوال المتغيرة من مكان إلى مكان، ومن زمن إلى زمن، ولا ما الذي سيحدث في المستقبل، إنها عاجزة عن معرفة كل ذلك حتى تضع لها ما يصلح لها من الأحكام والتشريع.
لكن الله -عز وجل- خالق الإنسان، ومدبر أمره، هو صاحب الكمال المطلق، وهو المحيط بكل شيء علمًا، لذلك كان الكمال فيما أنزل من وحي، وشرع من أحكام وآداب ترعى مصالح الإنسان في دنياه وأخراه، وترعاه في كل أحوال وظروفه وبيئاته وطبائعه، واختلاف مكانه وزمانه، والله سبحانه الذي ختم الرسالات برسالة محمد صلى الله عليه وسلم، حتى انقطع الوحي الإلهي بوفاة النبي صلى الله عليه وسلم، لم يغبْ عن علمه سبحانه ما سيجد في حياة الناس من قضايا لم تكن في العصور الأولى، تتطلب أحكاماً شرعية، وهديًا إلهيًّا، يستضئ به المسلم للتعامل مع المستجدات، حتى لا يقع في حيرة من أمره، لا يحتاج معه إلى آراء مبتورة عن الوحي الإلهي، لا تعرف إلى الهدى والحق طريقًا ....
لذلك نجد شرع الله سبحانه، المنحصر في كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله، قد حوى من القواعد والأحكام والنصوص العامة ما يكفل بسد حاجة البشر في حل كل معضلة، وبيان حكم الله عز وجل في كل ما دق وجل.
والأمر يتوقف على الأهلية التي يجب أن تتوافر في العالم العارف بنصوص الشرع، وبمظان استخراج الأحكام الجزئية، وكيفية استنباطها.
فإذا وجد في الأمة من العلماء العارفين بالنصوص الشرعية، والقواعد الفقهية والعلوم الموصلة إلى فهم كل ذلك، وطرق استنباط الأحكام وإلمام العصر الذي يعيشه مع مكانة رفيعة من الإيمان والتقوى، والورع والبراءة من الهوى، بحيث لا ينزل نصاً على قضية إلا بعد تأنٍ، وفحص، واستقصاء، مع معرفته بأنه بإصداره أي حكم في أي قضية لا نص فيها، إنما هو موقع عن الله سبحانه، فهو يخشى أن يتقول على الله أو على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل، وهو على علم أيضا بما يترتب على الحكم الصادر منه من تحليل أو تحريم أو إيجاب أو غير ذلك من الأحكام الشرعية.