الشريعة هي ما شرعه الله تعالى وخاطب به الأمة، فلا يسمى شرعا أو شريعة إلا شرع الله، ولا يسمى شارعا أو مشرعا إلا الله تعالى، وهذه حقيقة إيمانية لا خلاف فيها بين أولي العلم من المؤمنين، والله تعالى يقول:{شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ}[الشورى: ١٣] .
وما يعمد إليه البعض من إطلاق كلمة (تشريع أو شرع) على القوانين الوضعية وكذلك إطلاق كلمة (مشرع أو شارع) على واضع القوانين الوضعية، هو منكر يأباه الإيمان الصحيح، وتأباه الأخلاق، زيادة على التحريف اللغوي، قال تعالى:{ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ}[الجاثية: ١٨] . ومن التحريف اللغوي الصارخ استعمال فعل (خلق) – الذي هو فعل خاص بمقام الرب تعالى، خالق الأكوان – في أفعال العباد، وهكذا يفعل الذين لا يعلمون أن الخلق معناه الإيجاد من عدم، ومن يخلق من عدم غير الله؟ وهل يقدر الإنس والجن مجتمعين أن يخلقوا ذبابا واحدا؟ قال الحق تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (٧٣) مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (٧٤) } [الحج: ٧٣-٧٤] فهل ينتهي المتخمون فنا وثقافة (بالمفهوم المعاصر) من التجني على اللغة العربية وعلى القيم والمقدسات؟
هذه هي الشريعة بإجمال ... فهل يكفي العلم بها وإبقاؤها في الدفاتر؟ لقد أجمع أرباب النظر من علماء المقاصد على أن وجود الشريعة التي شرع الله للأمة لا يتم إلا باتباعها , وبترك الأهواء، ولا يحصل اتباعها إلا بتيسير العمل بها , وإقامة نفوذها في الأمة.