تعليقًا على حديث ابن مسعود الذي رواه البخاري ومسلم أود أن أتكلم من وجهة نظر حديثية وأصولية صرفة، وكم كنت أود لو فرعت بحثي الذي قدمته للمؤتمر في هذه النقطة خاصة، لأنها أساس الكلام تقريبًا في هذا المؤتمر فيما يتعلق ببدء الحياة.
هذا الحديث روي في الصحيحين وغيرهما، وتضمن قضايا مختلفة:
القضية الأولى:
أنه أخبر بكتابة الأجل والرزق، وهذا اتفقت عليه الروايات عن ابن مسعود وغيره من الصحابة، وقد بلغ عددهم كما في فتح الباري عشرة من الصحابة، فلا يشك في ذلك.
القضية الثانية:
أنه أخبر بزيارة المَلَك للجنين في بطن أمه، وهذا أيضًا تتفق فيه الروايات.
القضية الثالثة:
أن هذه الزيارة تكون بعد أربعين وأربعين وأربعين، وهذه النقطة بالذات اختلفت فيها هذه الرواية للحديث مع روايات كثيرة لغير ابن مسعود من الصحابة، بعضها في صحيح مسلم، كحديث أبي أُسيد الغفاري، أن المدة أربعون يومًا، فقط، ولم يذكر عن أي واحد من الصحابة غير ابن مسعود أنها ثلاث أربعينات، بل كلها اتفقت على أنها أربعون واحدة فقط، أو أربعون وبضعة أيام.
فما موقف المحدث تجاه مثل هذا؟
إن هذا النوع هو من تعارض الروايات. ولا ينبغي في نظري أن يقال: إنها زورتان، فإن التفاصيل المذكورة في الروايات تدل على أنها زورة واحدة.
إذن هذا نوع من التعارض، وإحدى الروايات هي الصحيحة، وتعبر عما صدر في الحقيقة والواقع عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأما الرواية الأخرى - وإن صحت سندًا - فينبغي أن نحملها على تصرف من بعض الرواة بنوع من الوهم، أو نؤولها، أو نفهمها على وضع غير ما يتبادر منها.