للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سبل الاستفادة من النوازل "الفتاوى "

والعمل الفقهي في التطبيقات المعاصرة

إعداد الدكتور

وهبة مصطفى الزحيلي

رئيس قسم الفقه الإسلامي ومذاهبه

بجامعة دمشق – كلية الشريعة

بسم الله الرحمن الرحيم

تقديم:

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه البررة، وبعد ... فإن حركة التجديد في الفقه الإسلامي لم تتوقف ولله الحمد في أي عصر من العصور، منذ بداية عهد الصحابة بعد انتهاء فترة النبوة، وإلى يومنا الحاضر، وعن تفاوت حصادها كثرة وقلة، صعوداً وهبوطاً، ونماء وركوداً أحياناً، وظل العطاء الفقهي مستمراً في كل زمان، على الرغم مما تعرض له من صعوبات، وإعراض بعض السلطات الزمنية عن الأخذ به، أو شيوع اصطلاح إغلاق باب الاجتهاد، لحماية الثروة الفقهية الموروثة من العبث والضياع، وسد الباب أمام أدعياء الاجتهاد الذين لم تتوافر فيهم أهلية الاجتهاد الكافية، أو كانت لهم نوايا مشبوهة في محاولة الانقضاض على صرح الفقه وتقويضه من الداخل، فكان الإغلاق مؤقتاً من قبيل ما يسمى بالسياسة الشرعية، لأنه لا يعقل تعطيل الاجتهاد والمجتهدون وغيرهم يعلمون بأن الاجتهاد فرض من فروض الكفايات على أهل كل عصر، وواجب أن يقوم به فئة في كل زمن.

وكان من أبرز مزايا الفقه الإسلامي التي مكنته من الاستمرار والفاعلية: توافر مقومات الثبات لأصوله وأسسه، ووجود ظاهرة المرونة والسماحة واليسر فيه، ومواكبة المتغيرات والتطورات فيما لا يمس كيان الثوابت، ويتجاوب مع ظروف العصر.

وأثبت الفقهاء والمفتون قدرتهم البارعة في الجمع بين الثابت والمتغير فيما أصدروه من فتاوى جديدة عامة في الأقطار الإسلامية، أو مقصورة على بعض البيئات والأوضاع المحلية، ومراعاة المصالح المتجددة، والأعراف الزمنية، وظروف الوقائع والنوازل الطارئة أو المستجدة.

ونجم عن الحشد الهائل من هذه الفتاوى في مختلف المذاهب، ولا سيما مذهبا الحنفية والمالكية، وجود ثروة كبرى في ميدان الفقه، يمكن الاستفادة منها إما بذاتها، أو بمعرفة كيفية استنباطها أو إصدارها، في مجال التطبيقات المعاصرة لمسائل الفقه والاجتهاد، فنشأ علم الفتاوى أو النوازل.

وقد برع فقهاء المالكية في الأندلس لدى جماعة الفقهاء الذين كانوا الخلفاء يرجعون إليهم في كل شيء، وفي المغرب العربي، في إغناء ظاهرة الفتيا، وتعدد أنماطها بحسب الحواضر التي اشتهرت بفقهائها، ومراعاة الأعراض المحلية والعوائد الزمنية التي لها مسوغ شرعي، فوجد ما سماه المالكية (العمل) أو (العمليات) ؛ فكان (العمل الفاسي) و (عمل تونس) و (عمل القيروان) ، ويقصد به ما اختار الفقهاء تطبيقه من الأحكام في عصر معين أو بلد محدد، ولو لم يتفق مع الراجح في المذهب أو المقولات الفقهية السابقة أو المشهورة.

<<  <  ج: ص:  >  >>