للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بحث

فضيلة الدكتور وهبة مصطفى الزحيلي

الأستاذ بكلية الشريعة – جامعة دمشق

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا وشفيعنا محمد المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه وأتباعه إلى يوم الدين، وبعد:

فقد تمكن أبناء العالم المعاصر من إنجاز كثير من معاملاتهم وعقودهم المالية بواسطة آلات الاتصال الحديثة، كالهاتف والبرقية واللاسلكي والتلكس والفاكس ونحوها، وأصبح ضروريًّا معرفة كيفية إبرام تلك العقود من الناحية الشرعية، وهذا ما نبينه هنا بالاعتماد على ما كتبه فقهاؤنا وقرروه عند الكلام على صيغة العقد، وشروط الإيجاب والقبول، وشروط تحقيق معنى اتصال القبول بالإيجاب ليكون شطرًا العقد في مجلس واحد.

وبما أن هذه المعلومات معروفة في الجامعات، فأكتفى بإيجازها هنا، لتكون مدخلًا للحكم على موضوع البحث.

صيغة العقد:

هي ما صدر من المتعاقدين دالًّا على توجه إرادتهما الباطنة لإنشاء العقد وإبرامه. وتعرف تلك الإرادة الباطنة بواسطة اللفظ أو القول أو ما يقوم مقامه من الفعل (المعاطاة) أو الإشارة أو الكتابة. وهذه الصيغة هي الإيجاب والقبول الدالان على تراضي الجانبين بإنشاء التزام بينهما، وتسمى الصيغة عند القانونيين: التعبير عن الإرادة.

والتعبير عن الإرادة العقدية الجازمة يكون بأي صيغة تدل عرفًا أو لغةً على إنشاء العقد، سواء بالقول أو بالفعل أو بالإشارة أو بالكتابة (١) .

والقول أو اللفظ مثل بعت واشتريت، ورهنت وارتهنت، ووهبت وقبلت، وزوجت وتزوجت.

والفعل أو المعاطاة أو المراوضة: هو التعاقد بالمبادلة الفعلية الدالة على التراضي دون تلفظ بإيجاب أو قبول (٢) ، كأن يأخذ المشتري المبيع ويدفع الثمن للبائع دون كلام من كلا الطرفين أو من أحدهما، سواء أكان المبيع حقيرًا بسيطًا أم نفيسًا. وهذا جائز عند جمهور العلماء غير الشافعية، لتعارفه بين الناس، لكن عقد الزواج بالإجماع لا ينعقد ولا يصح بالفعل أو بالمعاطاة كإعطاء المهر مثلًا، بل لا بدّ فيه من النطق بالإيجاب والقبول، لخطورته وأهميته، وتأثيره الدائم على المرأة، وحفاظًا على حرمات الأعراض المصونة شرعًا.


(١) مجلة الأحكام العدلية: (م١٧٣، ١٧٤) .
(٢) المجلة: (م١٧٠)

<<  <  ج: ص:  >  >>