للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[بحوث مجمعية]

السنة النبوية في العصر الحديث

بين أنصارها وخصومها

إعداد

الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة

الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي بجدة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته، ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة، وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين. وصلى الله وسلم على عبده ورسوله، وصفيه وخليله، سيدنا ومولانا محمد، الذي بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فدعا وقضى، ووعظ وهدى، وأمر ونهى، وحثنا على اتباع سبيله بقوله: ((تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله وسنة نبيه)) . (١)

طوبى لنا بميراث النبوة تمتد إليه أيدينا، وتتدبره عقولنا، وتتطلع إلى أسراره نفوسنا، وتمتلئ به صدورنا، وتجري به ألسنتنا، فلا نفتر عن ذكره، ولا ننتهي من الرجوع إليه في مجالسنا، وفيما قل أو جل من أمورنا، وإن الوحي، الظاهر والباطن، ليزكي النفس، ويشرح الصدر، ويهدي إلى الحق، ويبني الفرد، ويقيم الجماعة، ويشيد النهضة الإسلامية، ويمد الأمة بطاقات الحزم والجد والعمل الدؤوب من أجل التنمية في عالمنا المعاصر، واسترجاع معاني العزة وأسباب الريادة.

وإن هذا الميراث العظيم الجليل بقرآنه وسنته ليصدر عن مشكاة واحدة هي الوحي بنوعيه. وإنهما لمتلازمان، وإن السنة لتطبيق مثالي للإسلام، وعملي للقرآن، وتفصيل بياني لآياته، وتقرير لما لا التواء فيه ولا معارضة منه لروحه وأحكامه، وهي أيضاً منهج رسمه نبينا صلى الله عليه وسلم، بسيرته المثلى وعلاقاته بربه ومع نفسه وبالخاصة والعامة. وإن السنة لهي المرجع والفيصل عند اختلاف المتأولين لنصوص القرآن، وإن صاحبها صلى الله عليه وسلم لأدرى بمعاني الكتاب وأسراره، وأفضل وأعلم من صدر عنه التأويل العملي لتعاليمه. فهو الذي أوحى له به، وقام بتبليغه لحينه بأمر من ربه عز وجل في قوله: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل: ٤٤] . وقوله: {وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [النحل: ٦٤] .


(١) ط: ٨٩٩

<<  <  ج: ص:  >  >>