للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأسواق المالية

إعداد

سعادة الدكتور محمد القري بن عيد

مركز أبحاث الاقتصاد الإسلامي

جامعة الملك عبد العزيز

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله نحمده ونستغفره ونستهديه ونصلي ونسلم على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه.

أما بعد: فإن الدور الذي تلعبه الأسواق المالية في اقتصاد اليوم مهم وخطير. فلم تعد تلك الأسواق مكانا لالتقاء الباعة والمشترين فحسب، بل أضحت مؤشرا يدل على اتجاهات الاقتصاد العالمي ووسيلة لإعادة توجيه الموارد الاقتصادية على مستوى العالم برمته، حيث تجتذب المراكز المالية الرئيسية المدخرات من كل أنحاء العالم متمثلة إمتدادات جديدة لحركة الاستعمار القديمة. ولذلك أضحى على المسلمين أن يسعوا إلى إيجاد البدائل التي تكون متمشية أولا مع مبادئ الشريعة الغراء، خلوًّا من المعاملات المحرمة، ثم تكون، ثانيا قادرة على تمكين الأمة الإسلامية من الاستفادة من ثروات أبنائها بما يعود على كل شعوبها بالخير والوفاء.

والحق أن جل المعاملات في الأسواق العالمية في زمننا الحاضر متعارض مع المبادئ الإسلامية في أحكام المعاملات المالية في الشريعة الإسلامية، إذ يغلب عليها القمار والغرر والربا وبيع ما ليس عند الإنسان (١) المقامرة بعيدا عن الاستثمار الحقيقي وهو الوظيفة الرئيسية، من الناحية النظرية، لتلك الأسواق. ولقد أدرك الخبراء حتى في الدول المتقدمة خطورة هذا الاتجاه وأن الاستمرار فيه يهدد الاستقرار الاقتصادي والسياسي بين الأفراد والدول لا سيما وأن العالم أضحى في زمننا الحاضر كالجسد الواحد يعاني كله من صعوبات أجزائه.

إن الاستنتاج الذي توصل إليه كثير من المتخصصين هو ضرورة إبعاد تلك الأسواق عن المضاربات المحمومة وإعادتها مرة أخرى إلى وظيفتها الأصلية وهي توفير الوساطة المالية وتشجيع الادخار والاستثمار الحقيقي ... فاقترح بعضهم ضرورة فرض الضرائب المتناقصة على الأرباح بحيث يدفع من كانت مدة ملكيته للسهم (أو سواه) أقل من سنة أعلى نسبة من الضرائب ثم تتناقص حتى يعفى منها من زادت مدة ملكيته عن خمس سنوات، واقترح آخرون قصر حق التصويت على من زادت مدة ملكيته للسهم عن ١٨ شهرا. وانتبه كثيرون إلى دور البنوك وشركات التأمين وصناديق التقاعد والتأمينات الاجتماعية في تلك المضاربات وهي التي تمتلك تحت تصرفها مقادير هائلة من الأموال. فرأى أن تقنن تدخلاتها في تلك الأسواق ... وهكذا.


(١) تستخدم كلمة المضاربة كثيرا لتعني أنواعا من المعاملات التي تجري في أسواق المال والتي تتسم بالمقامرة للحصول على عائد مجز من صفقة بيع أو شراء. والمضاربة في اللغة العربية وفي الاقتصاد الإسلامي هي عقد الشركة المعروفة بين رب مال وعامل يسمى المضارب يقدم الأول التمويل والثاني العمل ويقتسمان الربح على ما اتفقا عليه من نسبة لكل منهما. وتقع الخسارة المالية على رب المال. والمعاملات التي تسمى في لغة البورصات مضاربة هي أبعد ما تكون عن هذا العقد. ولذلك فالأجدر تسميتها باسم يدل على حقيقتها. كأن تسمى مجازفة أو مخاطرة والثانية أدق وأصح.

<<  <  ج: ص:  >  >>