للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأخذ بالرخصة وحكمه

إعداد

الدكتور حمداتي شبيهنا ماء العينين

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله عليه وسلم على أفضل الأولين والآخرين سيدنا محمد

مقدمة:

إن الله تبارك وتعالى أراد بعباده خيرًا فلم يكلفهم بما لا يطيقون، وبين لهم أحكام ما كلفهم به، وجعل شريعة نبينا صلى الله عليه وسلم دين سماحة وسهولة ويسر، وكان صلى الله عليه وسلم يتجنب مواضع العسر، ويسلك سبل اليسر، فما خير عليه السلام بين أمرين إلا اختار أيسرهما، فقال سلام الله عليه: ((دين الله يسر، ولن يشاد هذا الدين أحد إلا وغلبه)) وقال: ((يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا)) وهو بذلك مطبق لقول الله عز وجل: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: ٧٨] فالله أراد بعباده خيري الدنيا والآخرة، بتوجيههم الوجهة الصالحة، عن طريق تعاليم هيأتهم لتحمل أعبائها وأعفتهم، إما باستبدال الأشد بالأسهل مثل التيمم لعذر بدل الوضوء، وإما بإلغاء الفرض نفسه مؤقتًا مثل الصلاة بالنسبة للحائض أو التأجيل كالصوم بالنسبة لها أيضا واستخلص علماء الأصول من نصوص الكتاب والسنة، أن العزيمة كلما كان تطبيقها جالبًا لمشقة كلما كان ذلك مدعاة لرخصة مخففة، فالأمر لا محالة استهدف صدوره أو إناطة المكلف به تحقيق مصلحة عاجلة أو آجلة، أو هما معا، ولم يترك كل أمر على إطلاقه، بل لا يمكن أن يمتد إطلاقه إلى ما تحصل به مضرة المكلف، إذ بمجرد ما تحصل المضرة تباح الرخصة، كاستثناء من العزيمة، التي هي الأمر.

ولقد حثت مراسيم الشريعة على امتثال الأمر، ولكنها أيضا رغبت في استعمال الرخصة عند حصول المضرة من العزيمة، ففي الحديث الشريف: ((إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يجب أن تؤتى عزائمه)) ، وفيه ((بعثت بالحنيفية السمحة)) أخرجه أحمد في مسنده، وأخرج أحمد والطبراني، والبزار وغيرهما عن ابن عباس: قيل: يا رسول الله أي الأديان أحب إلى الله؟ قال: ((الحنيفية السمحة)) وروى الشيخان من حديث أبي هريرة: ((إنما بعثتم مبشرين)) .

هذه الأصول هي التي استخلص منها العلماء القاعدة القائلة: " المشقة تجلب التيسير ".

وحتى نستطيع أن نلم بمختلف جوانب الموضوع حسب المستطاع نقسم هذا العرض إلى المباحث الآتية:

المبحث الأول: تعريف الرخصة والعزيمة.

المبحث الثاني: حكم الرخصة.

المبحث الثالث: الرخصة إضافية لا أصلية.

المبحث الرابع: هل الأفضل الأخذ بالعزيمة أم بالرخصة؟

خاتمة: تشمل على نظري في الموضوع.

<<  <  ج: ص:  >  >>