للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بيع الوفاء

في الفقه الإسلامي

إعداد

محيي الدين قادي

أستاذ الفقه ومقاصد الشريعة

بجامعة الزيتونة - تونس

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي أحل البيع وحرم الربا، والصلاة والسلام على سيدنا محمد مورث هديه للعلماء، وعلى آله وصحبه المتقين للشبهات، ومن تبعهم بإحسان ما دامت الأرض والسموات.

أما بعد، فالإنسان - كما قال العلامة ابن خلدون -: مدني بالطبع، ومحتاج إلى من يتبادل معه المنافع، ويتعامل معه، والمجتمعات يخدم أفرادها بعضهم بعضًا وإن لم يشعروا بذلك أحيانًا كما قال حكيم المعرة:

الناس للناس من بدو وحاضرة

بعض لبعض وإن لم يشعروا خدم

ومن أهم المعاملات المادية البيع الذي لم تحرمه شريعة الإسلام، ولم يرد نهي عنه في القرآن الكريم، أو السنة الشريفة، وأعني به البيع الذي أحله الله جل جلاله لعباده في كتابه فقال: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} (١) .

ولفظ البيع عام لأنه اسم مفرد دخلت عليه ((أل)) فجعلته عامًّا، واللفظ العام إذا ورد يحمل على عمومه فيندرج في عموم الآية الكريمة الآنفة الذكر كل بيع إلا ما قام البرهان على تخصيصه، كبيوع كثيرة خصت بأدلة شرعية وما خلاها من ضروب البيع وهو باق على أصل الإباحة.

وهنالك من البيوع ما جرى فيه الخلاف بين الأيمة الأعلام، هل هو حلال أم حرام؟ كبيوع الآجال، مذهب إمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس - رحمه الله تعالى - أنها بيوع ظاهرها الصحة، ولكنها ذريعة إلى الربا، ومثل لها ابن رشد في المقدمات بقوله: (مثل أن يبيع الرجل سلعة من رجل بمائة إلى أجل، ثم يبتاعها بخمسين نقدًا فيكونان قد توصلا بما أظهراه من البيع الصحيح إلى اقتراض خمسين دينارًا بمائة دينار إلى أجل وذلك حرام لا يحل ولا يجوز، وأباح الذرائع الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما والصحيح ما ذهب إليه مالك - رحمه الله تعالى - ومن قال بقوله لأن ما جر إلى الحرم وتطرق به إليه حرام مثله (٢) .


(١) سورة البقرة: الآية ٢٧٥.
(٢) ٢/٥٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>