بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العاملين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد:
١- فقد عرفت البشرية نظام التحكيم في عهودها البدائية، ثم عزفت عنه ردحًا من الزمن، لتعود إليه بخطوات ثابتة سريعة ملتمسة لديه علاج منازعاتها المعقدة، كما سعدت به في علاج منازعاتها البدائية.
فالتاريخ يشهد بتطبيقات عديدة للتحكيم في الأيام الموغلة في القدم، وفي عصر قدماء المصريين وعصر الإغريق والرومان، وأيام العرب في الجاهلية، ثم يروي التاريخ كيف أفل نجم التحكيم مع نشأة الدولة بمفهومها الحديث، وأن ذلك كان تحت زعم أنه يتعارض مع سيادتها، وينتقص من سلطان قضائها الذي له الولاية الكاملة في حسم المنازعات بجميع أنواعها، ثم يعود التاريخ ليروي كيف كشفت المدنيات الحديثة الغطاء عن نظام التحكيم، لتجده أقوى مما كان، متلائمًا مع سيادة الدولة غير متنافر معها، داخلًا تحت عباءة القضاء غير منفلت منها، وأنها بعد أن دفعت به إلى طريق التطبيق من جديد، تصدي ليحمل عن القضاء أثقالًا بعد أثقال، في كفاءة، تحقق للخصوم ما يفتقدونه أمام القضاء من سرعة في الفصل، وخبرة في الحسم، مع الحفاظ على الأسرار والسرعة في التنفيذ.