الباحث الإسلامي (.. كل قول أو فعل يُعده الناس عقدًا فهو عَقد يجب أن يوفوا به كما أمر الله تعالى ما لم يتضمن تحريم حلال أو تحليل حرام مما ثبت في الشرع)
(تفسير المنار، محمد رشيد رضا)
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
اللهم لك الحمد أنت نور السموات والأرض، ولك الحمد أنت قيوم السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت رب السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت ملك السموات والأرض ومن فيهن، إياك نعبد وإياك نستعين، وبنورك نستهدي، وبألوهيتك نعتز، وبملكك نحتمي ونعتصم، لا إله إلا أنت، أنت الحق، وقولك الحق، وكتابك حق، ومحمد حق، اللهم صلِّ وسلم عليه وعلى آله وصحابته والتابعين لهم بإحسان، والمقتفين لهديهم بصدق، الذين لا يحيدون عن سننهم ولا تلتبس عليهم سلبهم فتفرقهم شيعًا وتبددهم بين خطل الغلوّ وزلل التحريف ومهاوي الانحراف مع أباطيل الأهواء ومنازع الضلال.
وبعد، فهذه لمح ما يسرَّ الله لنا وأرشدنا إليه في ما عُني به مجمع الفقه الإسلامي من البحث في حكم الله في ما يتصل باستعمال وسائل الاتصال الحديثة، مما أحدثته أو قد تُحدثه ذات يوم اكتشافات العقل البشري لمظاهر الكون وظواهره، واهتداءاته إلى طرق الاستفادة منها فيما درج عليه الناس في معايشهم وخاصة ما يتصل منها بالتزامات بعضهم مع بعض في مجال المعاملات، أو في غيره من المجالات مثل ضبط العلاقات الأسرية والاجتماعية وما إليها.
وقد ارتأينا – استمرارًا في الالتزام بالمنهج الذي آثرناه لأبحاثنا على اختلافها من اعتبار الحقائق اللغوية والنصوص الشرعية القطعية والظنية، واختلاف الأعراف المؤثرة في الاجتهادات والاستنباطات والناتجة عن اختلاف البيئات وتباين أطوار الإنسان الحضرية – أن نمضي في هذا البحث على ذلك النسق، فنسوق ما تعارف عليه اللغويون من معاني كلمة (العقد) ، وهو العروة التي تضبط العلاقات بين الناس في مجال المعاملات أو الشئون الاجتماعية، ثم ما تبلور فيه من معنى هذه الكلمة عند أئمة التفسير وأئمة السنة. وأيمة الفقه، ثم أيمة القانون الوضعي لنصير من ذلك كله إلى اجتلاء وضبط القواعد التي ننطلق منها في تحرير وتقرير ما يترجح لدينا أنه مطابق لمناط التشريع من الرأي في التوفيق بين هذه المستحدثات وسائل للتواصل بين الناس وبين تلك الضوابط التي تواضعوا عليها منذ القديم قواعد وأحكامًا تضفي على التزاماتهم صبغة الشرعية الملزمة لمختلف الأطراف والفرقاء بينهم.
ولا نزعم –في ما نحرر ونقرر- أننا – أو أن أيًّا كان غيرنا- يمكن بأن نجزم بأن ما وصل إليه بحثنا أو بحثه هو حكم الله الحق قطعًا وجزمًا، إنما شأننا –كشأن غيرنا ممن استفرغ مثلنا وسعه وبذل غاية جهده- هو البحث الصادق المخلص عمَّا قد يكون هو الحق، فإن جاءك ما نرجوا فذلك فضل من الله وتوفيق نحمده عليه أصدق الحمد ونشكره أجزل الشكر، وإن أخطأ كان عذرنا وعذر غيرنا ممن بذل ما بذلناه أو أحسن مما بذلناه، أننا قصدنا إلى الحق ابتغاء وجه الله وإسهامًا في التمكين لشريعته، ولم نسأل في ذلك جهدًا و (إنما الأعمال بالنيات) وعلى الله قصد السبيل.