بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
حصرنا الموضوع في مقدمة وبحث وخاتمة:
أشرنا في المقدمة إلى مصادر الشريعة الأساسية المجمع عليها وما ألحق بها على خلاف فيه، وإلى مجموعة أخرى من المصادر اعتبرها جمهور العلماء مصادر متفرعة عن المصادر الأصلية كالاستحسان عن أبي حنيفة والمصالح المرسلة وسد الذرائع وعمل أهل المدينة عند مالك والاستصحاب عند الشافعي والإباحة الأصلية عند أحمد بن حنبل، ومن بين هذه المصادر العرف، فقد اعتمده الفقهاء بشروط اختلفوا فيها توسعة وتضييقًا، واعتمده رجال القانون حتى اعتدت الدول واعتبرته أصلًا ومرجعًا وأطلق بعضهم اعتباره وقدمه على النصوص اعتبارًا لسابقيته على الأديان، وهنا بينا الفرق بين العرف ... ونظر الشرع والعرف في نظر القانون فهو في نظر الشرع يكون العرف في كل العلاقات الاجتماعية الأسرية والمعاملات المالية قولية أو فعلية، وهو في نظر القانون علاقة قانونية قائمة بين الأشخاص والدول ودائرة معاملاتهم فلا دخل للعرف قانونًا في المجاملات كالهدايا وتبادل الزيارات، وقد تأثر بعض رجال القانون بالفقه الإسلامي بحمل حقيقته على ما حرره الفقهاء.
وقد أوضحنا في المقدمة أن للعرف مزايا كما له مساوئ فمن محاسنه أنه يصور العادات ويعبر عما ترتضيه الشعوب بما اصطبغت به نفوسهم وألفته قلوبهم، كما أن من مساويه كونه حجر عثر في وجوه المصلحين، إذ يجد رائد الاصطلاح من التعنت والممانعة فيما تعودت به نفوس الناس وإن كانت فاسدة منكرة.
وقد أشرنا في عجالة إلى باعث القوة فيه وهل هي ناشئة عن أحكام القضاء وهي نظرية بعض أهل القانون أو أن مستند قوته من الضرورات الاجتماعية إذ هي التي ترضي مصالحهم وتتجاوب مع غرائزهم وهي نظرية بعض أهل القانون الآخرين. أما عند علماء الشريعة فقوته مستمدة من المصلحة مما لا نص فيه إذ هي معتمد الأحكام الاجتهادية.