الحمد لله الذي أفاض على عباده النعمة وكتب على نفسه الرحمة، والصلاة والسلام على نبينا محمد المبعوث إلى الخلق أجمعين بالهدى والحق المبين.
وبعد، فأتقدم بهذه الدراسة الموجزة لعقد السلم (فقهه وتطبيقاته المعاصرة) نظرا لأهمية هذه المعاملة ودورها البارز في النشاط الاقتصادي في الحاضر والماضي، وباعتبارها لونا من التمويل (الائتمان) في ضمن عقد معاوضة، غرضه الاسترباح والاكتساب من جانب المشتري (رب السلم) ، وباعثه الحاجة إلى الحصول على المال المعجل ثمنا للمبيع الموصوف في الذمة من جانب البائع (المسلم إليه) ليتسنى له استعماله والتصرف فيه في وقت حاجته إليه، وبذلك ينتفع كل من البائع والمشتري به، ويرتفع عنهما الحرج بالإقدام عليه.
وقد عبر الكمال بن الهمام عن هذا المعنى بقوله:"ووجب المصير إليه بالنص والإجماع للحاجة من كل من البائع والمشتري، فإن المشتري يحتاج إلى الاسترباح لنفقة عياله، وهو بالسلم أسهل، إذ لا بد من كون المبيع نازلا عن القيمة، فيربحه المشتري، والبائع قد يكون له حاجة في الحال إلى السلم، وقدرة في المآل على المبيع بسهولة، فتندفع به حاجته الحالية إلى قدرته المآلية، فلهذه المصالح شرع"(١) . ونبه ابن قيم الجوزية إلى قصد رب السلم من التمويل بقوله:"فإن المستسلف يبيع السلعة في الحال بدون ما تساوي نقدا، والمسلف يرى أن يشتريها إلى أجل بأرخص مما تكون عند حصولها، وإلا فلو علم أنها عند حلول الأجل تباع بمثل رأس مال السلم لم يسلم فيها، فيذهب نفع ماله بلا فائدة، وإذا قصد الأجر أقرضه ذلك قرضا، ولا يجعل ذلك سلما إلا إذا ظن أنه في الحال أرخص منه وقت حلول الأجل". (زاد المعاد ٥/٨١٥) .
هذا، ولما كان تطبيق هذا العقد وممارسته في هذا العصر بالصورة الصحيحة المقبولة شرعا لا يمكن أن تتم إلا في ظل الشروط الشرعية المتعلقة به – كيلا تستغل هذه المعاقدة فتتخذ ذريعة إلى التمويل بالفائدة الربوية – بدت الحاجة الماسة لصياغة بحث فقهي موثق لهذا الموضوع الحيوي الخطير، وذلك ما حاولت تقديمه في الفصل الأول من هذه الدراسة. أما في الفصل الثاني منها فقد خصصته لعرض جملة من التطبيقات الاجتهادية المعاصرة لعقد السلم في إطار الاقتصاد الإسلامي بشكل عام وفي مجال المصارف الإسلامية بصورة خاصة.
والله خير مسؤول أن يهب النفع لقارئ هذه العجالة والأجر لكاتبها، عليه توكلت، وعليه أنبت، وإليه المصير.